اعتمادًا على فِكرة الصديق صلاح سامح، فقد ارتأيت ترجمة Social Distancing على أنها فعل وضع مسافة قائمة على بقاء الاتصال بينك وبين الآخر، وبالتالي، تكون الترجمة (التماسف)، وليس التباعد، لأن الأخيرة تنطوي على «النفور والنأي».
قررت ترجمة وتحرير هذه المادة، لأشغل نفسي بنشاطٍ أحبه، وهو الكِتابة والترجمة، وفي الوقت نفسهِ، أن أساهم ولو مساهمة بسيطة في مواجهة الجائحة، لا أن أقعد باكيًا أو شاكيًا أو متعجلًا. أتمنى أن تساعدكم قراءة هذه المادة في التغلب على العزل المنزلي، وأن تهوّن عليكم ولو بنسبة قليلة.
نُصح الكثير من الناس مع تفشي فايروس كورونا (وفي بعض الأحيان طُلب منهم)، أن يفعّلوا التماسف الاجتماعي القائم على تجنب أي شكل تواصل اجتماعي غير ضروري، وأن يبقوا في منازلهم قدر المستطاع، وكان ذلك واحدًا من عدة إجراءات احترازية اقترحتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حول العالم. يُعد التماسف مهمًا وضروريًا لإبطاء مُعدل انتشار العدوى وذلك حتى تتمكّن المُستشفيات من استيعاب الحالات. هل يتحقق هذا الأمر بسهولة؟ قطعًا لا، خصوصًا لأولئك الذين يعيشون لوحدهم، فقد يؤثر ذلك على صحتهم النفسية والجسدية. في الفقرات التالية، بعض الأفكار المستخرجة من أبحاث ودراسات تساعدك لتشعر أنك متصل «اجتماعيًا»، وتخفف من شعورك بالوحدة في مثل هذه الأوقات العصيبة.
جَدْوِل اتصالات تلفونية وفيديو لتحافظ على التواصل الاجتماعي:
:max_bytes(150000):strip_icc()/GettyImages-524908880-5baff6ad4cedfd00262ca0b0.jpg)
نحن ندرك أن التواصل الافتراضي ليس مُرْضِيًا مثل التواصل الشخصي، ولكن التواصل عبر محادثات الفيديو (باستخدام تطبيقات مثل فيس تايم وزوم وسكايب وغيرها)، تمكننا من رؤية ملامح وتقاسيم وجوه من نتحدث إليهم، وقد أثبتت الدراسات فعالية الأدوات التكنولوجية على تخفيف الوحدة والاكتئاب. فبدلًا من إلغائك للفعاليات والأحداث الاجتماعية مثل نوادي الكتب وجلسات الساعات المبكرة في الحانات، جدولها لتكون عبر الإنترنت، وأنشئ فعاليات وأحداث أخرى تجمع فيها أكبر قدر من الأصدقاء والعائلة والزملاء. لن تصدق أن لقاءً مدته 10 دقائق قد يُحدث فرقًا في ديناميكية يومك، وأن جدولة مثل هذه الأمور أسبوعيًا أو يوميًا، ستعطيك شيئًا لانتظارهِ والتوق إليهِ.
أحِط نفسك ببيئة دافئة:

قد يكون للتكوّر تحت بطانية مريحة أو لأخُذ حمامٍ ساخنٍ أو لتجهيز كوبٍ من الشاي تأثيرًا مُهدّئًا، ليس فقط على المستوى الجسدي، وإنما السيكولوجي أيضًا، حيث وجدت الكثير من الدراسات أن تعريض الجسم للدفء (حمل كوب شاي ساخن مثلًا أو أن تكون في غرفة دافئة)، يبعث برسالة للدماغ بأنّك قريب من الآخرين وأنَّك أقل وحدة (ولهذا نشعر في الشتاء وقت الدفء وكأن الكون كلها يحتضننا). وطبعًا هذا يحدث نتيجة لأن الشعور بالدفء جسديًا يحاكي شعور التلامس الجسدي ويفعل تقريبًا نفس الموصلات العصبية المُرافقة للارتباط العاطفي. تُشير دراسات أخرى إلى أنَّا نحب الأكل المريح (الأكل الممتلئ بالسكر والكربوهيدرات والمرتبط غالبًا بالطفولة والأكل المنزلي) في أوقات الأزمات العاطفية للسبب نفسه.
غُصْ في عالم القصص والروايات والخيال (الأدب):

أفضل القصص، تلك التي تجعلنا نهتم بالشخصيات كما لو أننا نعرفها شخصيًا. تُشير الدراسات إلى أن الشخصيات الخيالية في الكتب والأفلام والمسلسلات يمكنها أن تكون «بدائل اجتماعية» في أوقات الوحدة والعزل والحصار، وهذا لأنها تعطينا حسًّا بالانتماء. وعليهِ، إن كنت تشعر بحاجة ماسة للانغماس في مشاهدة المسلسلات مشاهدة تتابعية أو قراءة الكُتب، فلا تشعر بأنك تضيع الوقت فحسب، لأن لهذا الأمور فوائد سيكولوجية عديدة لك. توفر لك المشاهدة والقراءة أيضًا التشتيت اللازم من الأخبار الموتّرة للأعصاب. صحيح أن الاطلاع على الأخبار ضروري، ولكن عقولنا تحتاج إلى استراحة محارب بين الفينة والأخرى، وعلينا ألّا نحرمها منها.
مارِس الأفعال ذات الأثر الطيب عن بعد:

يُعد الانخراط في الأفعال ذات الأثر الطيب واللطيفة واحدًا من أفضل الطرق للتخلص من الشعور بالوحدة. عندما نكون في أوضاع مُتعبة أو نشعر بأننا نعاني، فإن مساعدتنا للآخرين يمكنها أن تعطينًا إحساسًا عظيمًا بوجود هدف ما أو اتصال بيننا وبينهم. نعلم نحن أن البقاء في المنزل يسلبنا أو يمنعنا أو يقلل من قدرتنا على التطوع لخدمة ودعم الآخرين، ولكن تأكد من وجود طرق أخرى للمُساعِدة. إحدى هذه الطرق تتمثل في التواصل مع أشخاص أنت تعرف بأنهم يعانون من صعوبات في حياتهم مثل كِبار السن أو جيرانك أو أقاربك، لتطمئن عليهم ولتتأكد من امتلاكهم للإمدادات اللازمة من الأكل والمعدات الطبية. أيضًا بإمكانك التبرع للجمعيات والمنظمات الخيرية التي تعمل دون كلل لمساعدة الناس في ظل هذه الجائحة، أو التي تدعو إلى إيجاد مبادرات سياسة للتخفيف من العبء المالي للجائحة أو التي تدعم المطاعم المحلية عبر شراء بطاقات الهدايات والتوصيل للمحتاجين.
اقضِ بعض الوقت مع الطبيعة:

لو كنت محظوظًا بعيشك قريبًا من حديقة غير مكتظة أو مسار مشي أو أي مكان به مساحة طبيعية، فإن الخروج من غرفتك يساعد على التخفيف من الشعور بالعزلة (قد يعطيك المشي وحده شعورًا بالأمان، خصوصًا حين تمشي مع أحد آخر، ولكن تذكر أن تحافظ على التماسف). تُشير الدراسات أن الخروج إلى الطبيعة يُحسّن الصحة النفسية والجسدية ويعطيك حسًا بالاتصال الاجتماعي، حتى لو كنا وحدنا، وهذا ربما لأن الطبيعة تذكِّرنا بأننا جزء من عالم أكبر من أنفسنا، ومثل هذه التجربة، قد تعطينا شعورًا بالرهبة الجميلة مما يعطينا منظورًا أوسع تجاه الأمور. عندما تنظر إلى ما حولك بذلك الحس من الرهبة والدهشة، تتحسن صحتك النفسية وتزيد الوظيفة المناعية لجسدك.
ابحث في الصور والذكريات القديمة:

لو كنت تخطط سابقًا لترتيب الصور الموجود لديك أو لرفع الفيديوهات العائلية، فإن الفرصة الآن مواتية، وإذا عثرتَ على صور جميلة ودافئة، لا تتردد في إرسالها عبر الإيميل أو الفيسبوك إلى الآخرين لتشعرهم بأنك تذكرهم. على الرغم من أن النوستالجيا تبدو شعورًا حزينًا، إلا أن الدراسات تبين أن لها فوائد سيكولوجية كثيرة، من ضمنها الشعور بالقرب مِمَّن نُحب. على سبيل المثال، في الدراسات التي كانت عن النوستالجيا المُستحثة تجريبيًا عبر دفع الناس للتفكير في الأحداث الإيجابية في الماضي، شعر هؤلاء الناس بالأمان والارتباط، وهو ما يعني أنهم شعروا بالدفء والأمان أكثر في علاقاتهم الحالية. وجدت دراسات أخرى وجود علاقة مُباشرة بين النوستالجيا وتخفيف الوحدة.
ابحث عن فعالية أو نشاط يُشغلك:

بالنسبة لمن يعمل من البيت، فإن مجرد العمل يشغل بالهم بما يكفي، ولكن بالنسبة لمن لا يوجد لديهم ما يشغلهم، يكون وقت الفراغ قاتلًا. ابحث عن نشاط يستفز قدراتك وفي الوقت نفسهِ يكون مُسليًا، مثل ألعاب الألغاز أو أي ألعاب أخرى (يمكن لعبها أونلاين)، أو أي نشاط إبداعي مثل الرسم أو التطريز. ممارسة مثل هذه الأنشطة، تُحدث تأثيرًا دفقًا للهرمونات، ويجعلنا في حالة متعة وتركيز، تبعدنا عن التفكير السلبي والتأمل في الخوف المحيط بنا.
مارس التمارين الرياضية أونلاين:

تُعد التمارين الرياضية مهمة وضرورية للصحة الجسدية والنفسية، وخصوصًا في حالات مُحاربة الوحدة والشعور بالانعزال. توفر لنا تمارين اللياقة شعورًا عظيمًا بالدعم الاجتماعي، وذلك عبر التمارين والطاقة والحماس التي يعطينا إياها المدربين والزملاء من حولنا، وتكون مثل هذه المشاعر مُعدية بشكل لطيف. إذا أغلقت الصالات الرياضية، وتشعر بأنك تفقد لياقتك، وتبحث عن طريقة لفعلها، فهناك العديد من الحلول، مثل تطبيقات التلفاز الذكي أو الهواتف الذكية أو تمارين اللياقة المُباشرة سواء على اليوتيوب أو على مواقع مثل Planet Fitness.
استمع للموسيقى، وغنِّ!

الأسبوع الماضي في إيطاليا، غنّى سكان ميلان من نوافذ بيوتهم مع بعضهم البعض لرفع الروح المعنوية في وقت الحجز المنزلي. وثَّقت الدراسات فوائد عديدة للغناء مع الآخرين، وعلى سبيل المثال، فإن وجودك كجزء من كورس غنائي، أو غنائك لوحدك يمكن أن يكون ذا تأثير علاجيٍ، حتى لو كنت تغني مع أغنية قديمة، لأن هذا يعطيك حسًا بكونك جزء من مجموعة، خصوصًا لو كانت تلك الأغاني تستفز مشاعر مشتركة مثل الأغاني الوطنية أو أغاني الثورة.
صلِّ أو مارس التأمل:

تتضمن العديد من ممارسات الصلاة أو التأمل إرسال إشارات إيجابية سواء لك أو للآخرين، وبغض النظر عن معتقداتك الدينية، فإن أخذ الوقت لتركيز عقلك على أفكار التعاطف له تأثير علاجي. على سبيل المثال، فإن التأمل القائم على الحب واللطف يجعلك تقول وتكرر عبارات في داخلك من قبيل “أتمنى لك السعادة” أو “أتمنى لك التحرر من المعاناة”، سواء تجاه نفسك أو تجاه الآخرين. أثبتت الدراسات أن ممارسة التأمل يزيد من شعور الاتصال الاجتماعي، وقبول الذات.
خِتامًا، يجدر بنا تذكير أنفسنا أن البقاء في المنزل والتنازل عن بعض النشاطات، فنحن لا نحمي أنفسنا فقط، ولكننا نحمي من حولنا أيضًا، خصوصًا كِبار السن منا، وأصحاب الأمراض المزمنة، والذين يفتك بهم الفايروس أشدّ الفتك. حريّ بنا أيضًا أن نتذكر الأطباء الذين يحاربون في الصفوف الأولى من أجلنا، والذين ابتعدوا عن أهليهم وأحبتهم لأيام من أجلنا، وأن علينا نحن من أجلهم أن نبقى في منازلنا، دون زيادة الضغط عليهم.