مُلاحظة من المُترجم: لأن ترجمة هذه المقالة سُتنشر على مدونتي وليس في أي من المواقع أو المجلات الأخرى، ولأن نشرها سيكون حرًا، وغير مرتبطٍ بمؤسسة أو جسمٍ ما، فقد آليت أن تكون الترجمة بتصرّف، وأن أشيرَ إلى «إسرائيل» على أنها دولة الاحتلال طُوال الوقت. وسأعمد أيضًا إلى إضافة مُلاحظات خاصّة مني لتطوير المادّة، وستكون ملاحظاتي بين (قوسين) دائمًا.
في حين تعيد دولة الاحتلال ممارسة عسكريتها المتوحشة ضد قطاع غزّة المُحاصر، يبدو أن سكان القطاع أنفسهم قد حدّقوا في وجه الموت وتصالحوا معه. تشير تغريدات أهل القطاع التي انتشرت في أتون الحرب إلى أنهم قد استعدوا للأسوأ، وشهدنا كيف كانوا يجمعون عائلاتهم بأكملها في الغرفة نفسها ليموتوا معًا. لم تكن تلك التغريدات لجذب الانتباه، وإنما كانت رسائل وداع.
وفي حين أن الولايات المتحدة الأميركية وشعبها يقدسون الاحتلال الإسرائيلي ودولة الفصل العنصري الإسرائيلية، إلا أن باقي دول العالم لا ترى الأمر بنفس الطريقة، وبدأ هذا منذ تأسيس دولة الاحتلال منذ عام 1948.
ولكن اليوم، لدى دولة الاحتلال علاقات دبلوماسية مع أغلب دول العالم، ويعود الفضل في هذا إلى الولايات المتحدة الأميركية، فقد سعت واشنطن جاهدة لتطبيع وجود دولة الاحتلال ودمجها مع الاقتصاد الدولي. لدى الولايات المتحدة الأميركية علاقة خاصّة مع إسرائيل، وذلك كما وصفتها وزارة الخارجية الأميركية:
«إسرائيل شريك كبير للولايات المتحدة، ولا صديق قريب من إسرائيل أكثر من الولايات المُتحدة. يجتمع الأميركان مع إسرائيل على التزامهم المُشترك تجاه الديمقراطية والانتعاش الاقتصادي والأمان الإقليمي. العلاقة التي لا يمكن كسرها بين الدولتين تشهد الآن أشد لحظات قوتها».
وزارة الخارجية الأميركية
لا يترك السياسيون الأميركيون أية مناسبة إلا بذكر التزام الولايات المتحدة تجاه دولة الاحتلال، ويصفون على الدوام من ينتقدها بأنه «مُعادٍ للساميّة». تُرسل واشنطن كل عام 3.8 مليار دولار كمساعدة لدولة الاحتلال و8 مليار دولار إضافية على شكل ضمانات قروض.
ولكن كل هذا لا يشرح السبب وراء أن دولة الاحتلال حليف لا يمكن التخلي عنه أو المساس بهِ بالنسبة للولايات المُتحدّة الأميركية.
على مرّ السنين الماضية، سمع الرأي العام الأميركي سيلًا من التبريرات لدعم واشنطن لدولة الاحتلال: بسبب المحرقة أو لأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط أو غيرها. وكلتا النقطتين خاطئتين ومغلوطتين بشكل واضح.
ولكن الاعتماد على هاتين النقطتين لا يكفي لنا لكشف الأكاذيب، إذ يتوجب علينا شرح الرومانسية بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال. وسبب استمرار «علاقتهما الحميمية الخاصة» لأكثر من نصف قرن.
يدّعي البعض أن واشنطن تفعل أيًا كان ما تريده دولة الاحتلال. ولكن الولايات المتحدة أكبر وأقوى دولة رأسمالية في تاريخ العالم. أن تفسر بأنّ أفعالها يُتلاعب بها من دولة صغيرة مثل دولة الاحتلال يضعك في خانة المؤامرة التي تقول بأن «اليهود يتحكمون في العالم».
القصة الحقيقة، وعلى بساطاتها، إلا أنها تختلف عن كل ما قِيل أعلاه. إذ اتحدت مصالح دولة الاحتلال مع مصالح الولايات المتحدة بأكثر من طريقة. خدمت الولايات المتحدة دولة الاحتلال كوكيل لها وممولة لها ماليًا وسياسيًا، وأدت دولة الاحتلال دورًا قيِّمًا في مساعدة الولايات المُتحدة للهيمنةِ على الشرق الأوسط.

الحركة اليمينة الانفصالية تريدُ راعٍ إمبرياليّ
لوضع الأمور في نصابها، فيجب علينا مراجعة بعض التطورات المُبكرة في قصة الحُب بين الولايات المُتحدة ودولة الاحتلال.
في القرن التاسع عشر، كان اضطهاد اليهود في أوروبا أمرًا شائعًا. وفي ذلك الوقت، كان حضور اليهود في الأحزاب الاشتراكية عاليًا. وضع هؤلاء اليهود أنفسهم في نفس مقام الطبقة العاملة، ورأوا أن الأممية هي الطريقة إلى تُحررهم.
وعندما ظهرت الصهيونية في الوقت نفسه تقريبًا، كانت فكرتها الحيوية مختلفة: نظرًا لأن معاداة السامية كانت شديدة وقاسية، لم يكن بإمكان اليهود وغير اليهود العيش معًا. لذلك كان من الضروري إقامة وطن حصري لليهود.
في السنوات الأولى، لم تكن الصهيونية بأي حال من الأحوال منتشرة بين اليهود. ولعقود بقيت حركة هامشية. فقد فضّل معظم اليهود أن يعملوا من أجل المساواة والديمقراطية في مجتمع تعددي، وللاندماج بدلًا من التخلي عن الدول التي كانت وطنًا لعائلاتهم لعدة أجيال.
كان للحركة الصهيونية المُبكرة رؤية كبيرة وكاملة لاستعمار أرضٍ وإقامة دولة يهودية انفصالية. وضع الأعضاء المؤسسون للحركة خططًا مختلفة للاقتصاد السياسي للوطن الذين يرغبون فيه: كيفية العثور على الأرض التي يفكرون في أخذها والدفاع عنها ضد ما سيعرفونه على أنهم سكان أصليون معادون وكيفية تنمية الاقتصاد لهذه الدولة الجديدة ودمجه في السوق العالمية.
أوضح أحد أهم قادة الصهيونية وقت تأسيسيها أن الهدف الأهم للحركة يتمثل في فوز رعاية القوى الكبرى لهذه الدولة اليهودية الجديدة. اتجه الصهيونيون الأوائل إلى عددٍ من القوى الاستعمارية، بما فيها الإمبراطورية العثمانية، والتي كانت تسيطر على الشرق الأوسط، ولكنهم لم يكونوا يملكون أي شيء ليقدموه في المقابل، ورُفض طلبهم.
وعندما سيطرت بريطانيا على فلسطين في الحرب العالمية الأولى، قرر الصهاينة أن فرصتهم الكبرى ستكون بالتوجه إلى لندن. قاد تشايم وايزمن، موظف حكومي بريطاني وقائد صهيوني، الجهود لإقناع لندن بإعلان الحماية على الأراضي الفلسطينية وتشجيع الاستيطان عند يهود أوروبا، والذين سيدافعون عن مصالح بريطانيا في المنقطة. وأشار وايزمن في حديثه مع أحد الوزراء البريطانيين بأن «فلسطين اليهودية ستمثل حماية لإنجلترا».
أُعجِبَ القادة البريطان بمقترح وايزمن. وبعد أن أظهرت الحرب العالمية الأولى الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط، فهو الحاضنة المحيطة لكل الطرق البحرية المؤدية إلى أهم مستعمرات الإمبراطورية البريطانية: الهند وجنوب شرق آسيا وشرق وإفريقيا. ويحد الشرق الأوسط حقول نفط جديدة في بلاد فارس ومصر، حيث ثارت الحركات القومية بشدّة ضد الحكم البريطاني، وما يزيد أهميته أيضًا، أن فرنسا، المنافس الأكبر لبريطانيا، كانت قد استعمرت سوريا. وكان الصهاينة قد تمكنوا من كسب التأييد الفرنسي من خلال اللعب على ورقة تحقيق أهداف فرنسا الإمبريالية التنافسية مع بريطانيا.
وبعد إعلان بلفور عام 1917، بدأت بريطانية بدعم الحركة الصهيونية وتشريع استعمار فلسطين. زادت الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مدار العقود التالية. وكما كان متوقعًا، ومع زيادة الاستعمار والعنف، بدأت المناوشات بين الفلسطينيين واليهود.
وفي نوفمبر من عام 1947، أقرت الأمم المتحدة قرار تقسيم الأرض إلى دولتين. رأت بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة قيمة لوجود الضغط الصهيوني في الإقليم وبدؤوا بالضغط لتمرير قرار الأمم المتحدة 3313.
وبحلول شهر مايو 1948، أدّت الاستفزازات الصهيونية والاستيلاء المستمر للأراضي إلى تفجير المناوشات ولتتحول إلى معركة شاملة بين العرب واليهود. ولم تكن المعركة آنذاك متكافئة كما هي اليوم. فقد واجه مجموعة من المتطوعين العرب غير المتدربين مجموعة من الميليشيات الصهيونية جيدة التسليح والتدريب، وذلك كما يصفها فيل مارشال في كتابه الانتفاضة: الصهيونية والإمبريالية والمقاومة الفلسطينية:
«كانت استراتيجية عصابات الهاغانا [المنظمة العسكرية الصهيونية] تتمثل في الاستيلاء على الأراضي المخصصة لليهود بموجب خطة الأمم المتحدة، وضرب الطرق المؤدية إلى المستوطنات اليهودية المعزولة في المناطق العربية. وسرعان ما استولوا على العديد من المدن ووسائل التواصل. وفي تلك المناطق، وضعت أجهزة الدولة الصهيونية في مكانها، وفي 14 مايو/آيار، أعلن ديفيد بن غوريون دولة إسرائيل في الأراضي الخاضعة للسيطرة الصهيونية».
مقتطف من الكتاب – الاقتباس لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال تبني النص وما في داخله لا تاريخيًا ولا سياسيًا
اقرأ هنا مقالة من ترجمتي في جزئين عن بن غوريون ودولة الاحتلال على موقع مجلة رُمّان الثقافية:
دولة صهيونية بأي ثمن 1 | دولة صهيونية بأي ثمن 2
وبعد إحدى عشر دقيقة من إعلان بن غوريون، اعترف الرئيس الأميركية هاري ترومان بالدولة الجديدة.
القوى الجديدة تريد دولة وكيلة لها في المنطقة
بعد أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها، كان التنافس الرأسمالي يتعولم بسرعة. كانت الولايات المتحدة قوة جديدة في ذلك الوقت، وكانت تضع عينيها بكل طمع على حقول النفط الجديدة المكتشفة في الشرق الأوسط. في عام 1945، وصفت إحدى مراسلات الخارجية الأميركية تلك الحقول على أنها «مصدر هائل للقوة الاستراتيجية وواحدة من أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم».
وبقدر ما كانت الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة ترغب في نفط شرق المتوسط، لم يكن الغزو أو الاستعمار خيارًا. إذ يتطلب ذلك حكما مباشرًا ومستمرًا للمنطقة، وقد كان من الصعب جدًا -والمكلف للغاية- دعمه وإدارته من على بعد آلاف الكيلومترات.
وأيضًا في أواخر الخمسينيات وأول الستينيات، كانت القومية العربية في أوج انتشارها في الشرق الوسط. وقد سعى الرئيس جمال عبد الناصر في مصر جاهدًا لخلع الإمبريالية البريطانية ولتوحيد الدول العربية. انتشرت في المنطقة الصراعات والنداء لمكافحة الإمبريالية، وهو ما هدّد القوى الغربية. كل هذه التغيرات والثورات عَنت أمرًا واحدًا: إقليم غير مستقر للغاية، وهو ما يقد يخلق مناخًا استثماريًا سيئًا. والأسوأ من وجهة النظر الأميركية، أن كثيرًا من دول المنطقة كانت تحاول التقرب من الاتحاد السوفيتي.
شعرت الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى وجود حلفاء لها في الإقليم، وذلك لتعيد الدول العربية إلى محيطها (حظيرتها)، مقتنعة بأن الديمقراطية الرأسمالية تتفوق على الشيوعية في تنميتها.
وفي يونيو من عام 1967، وبعد انتهاء حرب النكسة (حرب الأيام الستّة)، شعر كل من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال أن الشراكة بينهما ستكون خيارًا جيدًا للطرفين.
كان الدافع المركزي للقومية العربية هو معارضة التدخل الإسرائيلي في المنطقة. تصاعدت التوترات العسكرية على جميع حدود دولة الاحتلال، حتى غزت دولة الاحتلال الضفة الغربية التي كانت تحت سيطرة الأردن، وشنت غارات جوية على سوريا، وهاجمت مصر. وفي غضون ستة أيام، انتصرت دولة الاحتلال في حرب برية حاسمة وسيطرت على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، والضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا.
أثبتت دولة الاحتلال قدرتها في التفوق عسكريًا على جيرانها. وأدرك سماسرة القوة الأميركان أنه إذا صارت دولة الاحتلال حليفة لها، فيمكن للولايات المتحدة استخدامها لممارسة سيطرتها على الإقليم بشكل غير مباشر.
وسرعان ما حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا وفرنسا كراع إمبريالي جديد وأكثر التزامًا لدولة الاحتلال. وفي العام السابق لحرب النكسة، بلغ إجمالي المساعدات الأمريكية لدولة الاحتلال 23.7 مليون دولار (ما يعادل 195 مليون دولار في أيامنا هذه). أما بعد الحرب، فقد ارتفع الدعم الأميركي ليصل إلى 106 مليون دولار سنويًا (ما يعادل 873 مليون دولار في أيامنا هذه).
حُوِّلت مبالغ ضخمة إلى البنوك الإسرائيلية في بداية كل سنة مالية لدعم قطاعي التكنولوجيا والدفاع. هذا هو الأساس الأكبر لما يسمى بـ «الاقتصاد المُعجِزة» الإسرائيلي والذي يذكره الصهاينة بأنه «يجعل الصحراء تخْضَرّ». يُصنِّف، اليوم، مؤشر القوة العالمية الجيش والاقتصاد الإسرائيليين في المرتبة العاشرة من حيث القوة في العالم.
حصلت واشنطن في المقابل على ما كان موقعًا عسكريًا أميركيًّا فعليًا فيما أسماه الاستراتيجيون العسكريون الأمريكيون على أنه أهم إقليم في العالم. لم تكن التكلفة مرتفعة للغاية مقابل ما حصلت عليه الولايات المتحدة من الصفقة: جهاز استخبارات محلي وقوات عالية التدريب ومطلعة على الإقليم وملتزمة أيديولوجيًا بمكانها، وأيضًا يوجد خزان لجميع الأسلحة التي قد يحتاجونها في الشرق الأوسط. لم تكن هناك حاجة لإقناع الشعب الأميركي بتوغل عسكري أو نشر الجيش الأميركي على بعد آلاف الأميال. وقد أظهر تقدير مُحافظ أنه لو كان على الولايات المتحدة أن تتعامل مع الأمر بنفسها، لكان قد كلفها على الأقل 125 مليار دولار سنويًا. كان تحصيل كل النتائج المرجوة مقابل إنفاق أولي قدره 106 مليون دولار سنويًا انتصار بالنسبة لواشنطن.
ولقد حقق هذا الاستثمار مكسبًا مفاجئًا لشركات الدفاع الأميركية. إذ تصرف مليارات الدولارات التي ترسلها الولايات المتحدة إلى دولة الاحتلال بالعودة على الصناعات العسكرية الأميركية. فعلى سبيل المثال، تسمح اتفاقية عام 2010 بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال لإسرائيل باستخدام ما مجموعه 15.2 مليار دولار في شكل منح عسكرية من الولايات المتحدة لشراء مقاتلات إف-35 من شركة لوكهيد مارتن.
وهكذا بدأت «العلاقة الحميمية الخاصة» بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال. وفي نصف القرن التالي، استند جزء كبير من هذه العلاقة الخاصة إلى المَوْقعة الجيوستراتيجية والتداخل المتزايد بين الاقتصادين.

تعزيز «العلاقة الخاصّة»
ومع حلول عام 1973، لم تكن دولة الاحتلال قد تخلت بعد عن الأراضي التي احتلتها عام 1967 من مصر وسوريا والأردن. وزادت دولة الاحتلال من تأجيج التوترات برفضها سحب جيشها، مهددةً بمزيد من عدم الاستقرار الإقليمي الذي تكرهه واشنطن.
لكن كان للولايات المتحدة حدودًا لنفوذها أكثر من أي وقت آخر منذ صعودها كقوة عظمى. وأيضًا كانت أمور كثيرة لا تسير على ما يرام بالنسبة لواشنطن. فقد أعلن الجيش الأميركي أخيرًا هزيمته أمام الشيوعيين في فيتنام، وسط غضب جماهيري من إرسال رجال من الطبقة العاملة إلى مغامرات إمبريالية في جميع أنحاء العالم. أجبر الشيوعيون الولايات المتحدة على التراجع إلى الهند الصينية، واندلعت المعارك ضد الاستعمار في جميع أنحاء إفريقيا: في كينيا والجزائر وزيمبابوي وموزمبيق، وعدة أماكن أخرى.
وفي ذلك الوقت، اكتشفت المخابرات الإسرائيلية أن مصر وسوريا تخططان للهجوم على أمل استعادة سيناء. وكما هي عادة دولة الاحتلال في شن ضربات استباقية، إلا أن رئيسة الوزراء غولدا مائير كانت قلقة من أن يُنظر إليها على أنها المعتدي مرة أخرى. فتقويض ادعاء دولة الاحتلال على أنها الضحية دائمًا من شأنه أن يُفقد دولة الاحتلال تبريرها لشن هجمات عسكرية. وأعرب مستشاروها عن قلقهم من أن يؤدي ذلك إلى عزلها عن الولايات المتحدة، وهو تقييم أكده لاحقًا وزير الخارجية هنري كيسنجر، إذ قال لو أن دولة الاحتلال هي من بدأت الحرب، لما أرسلت الولايات المتحدة مسمارًا لمساندتها.
هاجمت الجيوش المصرية والسورية دولة الاحتلال، وضربت على جبهات مختلفة وشهد كل منهما انتصارات مبكرة. لكن دولة الاحتلال كانت قادرة على الرد، وحققت انتصارات جوية وبحرية ودفعت الجيوش المصرية والسورية للتراجع.
ولجذب الدعم الأمريكي أمرت مائير الطائرات التي تحمل صواريخ نووية بالوقوف في حالة تأهب. نجحت الخطّة: أمر نيكسون بنقل الأسلحة والإمدادات جوًا إلى دولة الاحتلال. ووصلت الإمدادات في الوقت الذي بدأت فيه دولة الاحتلال في الحصول على اليد العليا، مما أدى إلى محاصرة قسم من الجيش المصري بدون طعام أو ماء. كان الاحتلال حريصًا على تدمير المصريين المحاصرين، لكن كيسنجر أوقفهم، وقال للسفير الإسرائيلي إنكم «لا تملكون الخيار لفعل ذلك».
امتثل الاحتلال لأوامر كيسنجر. وبعد الحرب، واصل كيسنجر العمل لدفع الاحتلال نحو للانسحاب من بعض الأراضي العربية.
رأى كيسنجر الوضع كفرصة استراتيجية. لقد أثبتت دولة الاحتلال مرة أخرى بشكل قاطع أنها تستطيع السيطرة عسكريًا على دول أخرى في المنطقة وإبقاء أعدائها في مأزق. لكن القوة الإسرائيلية كانت تعتمد على واشنطن في الأموال والأسلحة والغطاء الدبلوماسي. ويجب على الولايات المتحدة أن تضع نفسها على أنها القوة الوحيدة التي يمكنها إبقاء دولة الاحتلال تحت السيطرة.
لم يكن كيسنجر وحده من يدرك هذه القيمة. في عام 1973، بلغ إجمالي المساعدات الأميركية لدولة الاحتلال 492.8 مليون دولار (ما يعادل 2.9 مليار دولار في أيامنا هذه). في العام التالي، انفجر التمويل إلى 2.6 مليار دولار – بزيادة قدرها 530% (ما يعادل 14 مليار دولار في أيامنا هذه).
مع استمرار لعبة الشرطي الجيد والشرطي السيء بين الدولتين، استقرت العلاقة الأميركية الإسرائيلية على شكلها الحالي. عندما تتصرف دولة الاحتلال بشكل عدواني، فإنها تكذّب ادّعاءها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وهو يعزز الفهم بأن دولة الاحتلال تستطيع أن تفعل ما تشاء، وأن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على كبح جماحها.
هذه ما تسميه الولايات المتحدة بالعلاقة النظيفة والمنظمة، فهي قادرة على ممارسة نفوذها دون تدخل مباشر. وتستمر دولة الاحتلال في مسارها: المستوطنات والقصف العسكري والتهجير وقتل الفلسطينيين. يُعد التطهير العرقي في فلسطين واحدًا من أكبر جرائم القرن الماضي (والحالي). ولم تكن دولة الاحتلال الإسرائيلي لتنجح في تحقيق ذلك إلى عبر استفادتها من الإمبريالية الأميركية.

لماذا علينا أن نُحارب إلى جانب فلسطين؟
لحسن الحظ، فثمة مساحة متزايدة في الولايات المتحدة لوصف واستنكار الظلم الذي تلحقه دولة الاحتلال بالفلسطينيين. وصار من السهل توقع ردة فعل دولة الاحتلال وأميركا في حالة أي عدوان جديد، ولكن حدث أمر غير مسبوق في الأسبوع الماضي في واشنطن (بين 15-20 مايو/آيار 2021). فعادة ما يكون أي عدوان إسرائيلي على الفلسطينيين مناسبة للتوافق بين الجمهوريين والديمقراطيين لدعم دولة الاحتلال وتجاهل الفلسطينيين الجرحى والقتلى والمشردين. لكن هذه المرة، ستة أعضاء من الكونغرس ثقبوا حالة التوافق في الحزبين، وأدانوا ما تفعله دولة الاحتلال بقوة ودعموا الفلسطينيين (وأيضًا قدم السيناتور بيرني ساندرز مشروع قرارٍ لمنع صفقة بيع أسلحة أميركية لدولة الاحتلال بقيمة 735 مليون دولار).
كان يقود هذه الجهود ديمقراطيون اشتراكيون مثل النائبة رشيدة طليب، وهي نفسها فلسطينية. وقالت طليب: «من واجبنا إنهاء نظام الفصل العنصري الذي عرّض الفلسطينيين لعقود من المعاملة غير الإنسانية والعنصرية».

يجب أن ينضم الاشتراكيون إلى طليب وأن يناضلوا من أجل تحرير فلسطين كما لو كانت معركة من أجل تحريرنا – لأنها كذلك. إذا كانت لدى الولايات المتحدة ودولة الاحتلال مصالح مترابطة، فعندئذ يجب أن يتشارك في الكفاح كل من يتعرضون لاضطهادهم.
رأي واحد حول “لماذا تدعم الولايات المُتحدّة دولة الاحتلال الإسرائيلي؟”