تمر أمامنا بين كل فينة وأخرى احتجاجات من أشخاص نراهم أصدقاءً على قضايا ترتبط بالمُجتمع الأوسع، وتكون هذه الاحتاجاجات والاعتراضات على شاكلة «نحن» و«هم»، أي أنهم يشيرون، بقصدٍ أو دون قصدٍ، إلى باقي أطياف المُجتمع وكأنهم يتحدثون عن جماعة أخرى، أو لنقل أنهم يأخذون تلك المسافة المتعالية بعيدًا عن المُجتمع ثم يأخذن في التنظير عليهِ، وفي رأيي، من هنا يبدأ فشل المُثقّف.
سأتناول في هذه السلسلة، والتي قد يبدو عنوانها أكبر من حجمها، بعضًا من القضايا التي يتحدث فيها جيلًا جديدًا من الشباب يُصنف نفسه على مثقف أو مُتعلم، ولكنه يفشل في أول خطوة في رحلته، وهي التحدث مع مُجتمعه، إذ ومن أول نقطة علمٍ يشربونها، يربؤون بأنفسهم على باقي الناس من حولهم، ويصير حديثهم من الخارج إلى الداخل، في نبرة لا تختلف عن النبرة الاستعمارية التي تحمل الوصاية فيها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى رفض المُجتمعات لهم ولفظهم، لأنهم لا ينطقون بلسانها، ولا يشبهونها.
وكيلا أطيل، سأبدأ بمثالٍ مُباشر، ثم قراءتي له. تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المحتوى تنظيرات من أشخاصٍ يدَّعون الوعي حول قضية الإنجاب، بحيث يستغل هؤلاء الأدعياء منصات (اليسار في الغالب) لإهانة فُقراء مُجتمعاتهم حول قضية الإنجاب، وكيف أنهم يواصلون التُكاثر بالرغم من سوء اوضاعهم، وهم بذلك يحمَّلون هؤلاء الفُقراء مسؤولية فقرهم ومصيبتهم (وهي مفارقة حين تصدر من اليسار). تصل بهؤلاء الأدعياء الدَّعية أحيانا أن يخوضوا حوارات مُتخيلة مع هؤلاء المُعدمين، يبررون فيها أسبابهم لعدم الإنجاب، وأنَّ على الجميع أن يكونَ لا إنجابيّ، لأن الحياة ليست عادلة، والقتل في كل مكان والإجرام منتشر.
متابعة قراءة “أسئلة المُثقَّف | أن تُفكِّر عربيًا (1)”