شاهدت في الآونة الأخيرة عددًا من الصحف والمواقع العلمية والطبية العربية تُترجم كلمة «Breakthrough» إلى «إختراق» للإشارة إلى دواء معين لعلاج الكورونا، ووصفه بأنه «اختراق علميّ».
عند النقل من لغة إلى أخرى، قد يجد المُترجم نفسه أحيانًا أمام نوعٍ من الكسل الاختياري، خصوصًا، لو لم يكن مُدركًا للفرق بين التراكيب اللغوية والصياغات الأسلوبية الخاصة بكل لغة وثقافتها واستخداماتها. وأحيانًا هذا الكسل قد يكون بعد اجتهاد في المفردات، فمثلًا كلمة made معناها العربي «صنع/صنعوا/صنعت/صنعن» في سياق ما، ولكنها حين تكون ضِمن جملة كاملة مثل You made my day، فإن ترجمتها إلى «صنعتَ يوميّ» مرفوضٌ في اللغة العربية، لأن اليوم لا يصنع في لغتنا.
بالعودة إلى كلمة «Breakthrough» والتي تترجم في القواميس ثنائية اللغة إلى «اختراق» غالبًا، فنجد بأن المترجمين الكسولين يستسهلون استخدام هذه الكلمة الواحدة بدل الكلمات الأخرى أو التراكيب الأخرى في تلك القواميس مثل «تقدم هائل»، خصوصًا أن الكلمة بالإنجليزية، لا تعني مُجرد التقدّم، وإنما التقدم والإتيان بجديد في ظل عددٍ من الصعوبات، ويكون هذا التقدم قويًا وكبيرًا ليوصف بأنه «سبَّاق» أحيانًا.

هذا التنوع الكبير من المفردات المفردة والمُركبة، يجعل الناقل للعربية أحيانًا حذرًا أو خائفًا، فيذهب إلى الكلمة الأولى والأسْهَل. ولكن مثل كلمة made أعلاه، فإن كلمة «اختراق» عربيًا لها وقع سلبيّ غالبًا، حتى لو في المخيال الشعبيّ الحاليّ. فلو بحثنا في المعاجم عن معنى الكلمة سنجد:
خَرَقَهُ يَخْرُقُهُ ويَخْرِقُهُ: جابَهُ ومَزَّقَه،
ـ خَرَقَ الرجُلُ: كَذَبَ، وقَطَعَ المَفازَةَ،
ـ خَرَقَ الثَّوْبَ: شَقَّه،
ـ خَرَقَ الكَذِبَ: صَنَعَهُ،
ـ خَرَقَ في البَيْتِ خُروقاً: أقامَ (فلم يَبْرَحْ)، كخَرِقَ.
ـ خَرُقَ بالشيءِ: جَهِلَهُ. (القاموس المحيط).
ونحن حين نريد أن نشتم أحدًا، نقوله له أحيانًا «يا أخرق» مثلًا لخفة عقلهِ أو لأنه غير متماسكٍ وهلم جرًا.
والآن نتخيل الكلمة في سياق «هذا الدواء اختراق علميّ»، ومُجددًا، قد تبدو الكلمة مُفردة تحمل المعنى، ولكنها هُنا (من وجهي نظري على الأقل) أراها ترجمة حرفية بائسة، تؤذي أكثر مما تُفيد.
ولكيلا أتوقف عند نقد الترجمة أو تعريب التركيب، فقد فكرتُ لبعض الوقت في بديل لما اعترضت عليهُ، ورأيتُ بعد البحث في المعاجم الإنجليزية والعربية على حدٍ سواءً أن وصف التوصل للدواء بـ «الفتح العلميّ» سيكون أكثر مواءمةِ من الوصف الأول، ويحمل جزءًا كبيرًا من المعنى المطلوب، مع التصالح في التركيب اللغوي العربي والبيئة الثقافية العربية. حسب المعجم الغنيّ، يكون الفتح هو النصر الكبير. وهو الدخول إلى مكانٍ ما وتحقيقه بعد صعوبات ومحاربة. والفتح هو الثغرة في الجدار التي يتسربل منها النور. ونقول فتح ثغرة في صفوف الأعداء.
يعدُ عقار ديكساميثازون فتحًا علميًا… وهكذا.