أسئلة المُثقَّف | أن تُفكِّر عربيًا (1)

تمر أمامنا بين كل فينة وأخرى احتجاجات من أشخاص نراهم أصدقاءً على قضايا ترتبط بالمُجتمع الأوسع، وتكون هذه الاحتاجاجات والاعتراضات على شاكلة «نحن» و«هم»، أي أنهم يشيرون، بقصدٍ أو دون قصدٍ، إلى باقي أطياف المُجتمع وكأنهم يتحدثون عن جماعة أخرى، أو لنقل أنهم يأخذون تلك المسافة المتعالية بعيدًا عن المُجتمع ثم يأخذن في التنظير عليهِ، وفي رأيي، من هنا يبدأ فشل المُثقّف.

سأتناول في هذه السلسلة، والتي قد يبدو عنوانها أكبر من حجمها، بعضًا من القضايا التي يتحدث فيها جيلًا جديدًا من الشباب يُصنف نفسه على مثقف أو مُتعلم، ولكنه يفشل في أول خطوة في رحلته، وهي التحدث مع مُجتمعه، إذ ومن أول نقطة علمٍ يشربونها، يربؤون بأنفسهم على باقي الناس من حولهم، ويصير حديثهم من الخارج إلى الداخل، في نبرة لا تختلف عن النبرة الاستعمارية التي تحمل الوصاية فيها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى رفض المُجتمعات لهم ولفظهم، لأنهم لا ينطقون بلسانها، ولا يشبهونها.

وكيلا أطيل، سأبدأ بمثالٍ مُباشر، ثم قراءتي له. تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المحتوى تنظيرات من أشخاصٍ يدَّعون الوعي حول قضية الإنجاب، بحيث يستغل هؤلاء الأدعياء منصات (اليسار في الغالب) لإهانة فُقراء مُجتمعاتهم حول قضية الإنجاب، وكيف أنهم يواصلون التُكاثر بالرغم من سوء اوضاعهم، وهم بذلك يحمَّلون هؤلاء الفُقراء مسؤولية فقرهم ومصيبتهم (وهي مفارقة حين تصدر من اليسار). تصل بهؤلاء الأدعياء الدَّعية أحيانا أن يخوضوا حوارات مُتخيلة مع هؤلاء المُعدمين، يبررون فيها أسبابهم لعدم الإنجاب، وأنَّ على الجميع أن يكونَ لا إنجابيّ، لأن الحياة ليست عادلة، والقتل في كل مكان والإجرام منتشر.

متابعة قراءة “أسئلة المُثقَّف | أن تُفكِّر عربيًا (1)”

عزيزي الشاب . . قبل الزواج | الهمسة الاولى

 

wedding

عزيزي الشاب . . هَمسة لك؛ قبل الزواج

لعل موضوع الزواج هو من أهم مواضيع المجتمع حَساسية، وهي تلك المرحلة التي يجب أن يمر بها كل شاب وكل فتاة يومًا من الأيام.

لكن الزواج في مجتمعنا له طقوس خاصة في الزواج . . طقوس شرقية خاصة إن صح التعبير، ولا أقول شرقية للامتهان والمقارنة بالغرب، ولكن لأن هذه الطقوس ليست موجودة في أي مجتمع بالعالم باستثناء المجتمع الشرقي.

في مُجتمعنا . . يُنظر للزواج على أنه عادة أكثر مما هو إقامة مؤسسة كاملة لا يجيد الجميع إدارتها. يٌنظر إليه على أنه شيء يجب أن يتم في مراحل العمر الأولى قبل أن يفوتك القطار. فتجد الشَاب لم يبلغ العشرين بالكاد وهو يسارع للزواج قصدًا منه لإكمال “نصف دينهِ”، وهو لم يدرك النصف الأول بعد.

سأتناول مقالي مُتضمناً ببعض القصص الواقعية(خيالية) تحت اسمين لشاب وفتاة وهما “سعيد ، وفاطمة”. حتى يتضح المقال بالمثال في كل نقطة أستدركها هنا.

 

Banner12

 

فِي مجتمعنا

* في مُجتمعنا:

إذا كانَ سعيد مثلًا أقل أهل البيت ذكاءً، ويصنع العديد من المشاكل في البيتِ مع إخوتهِ تجد أن أمه وأباه يسارعان بالقول: “زوجوه بلكي يعقل“.

 إن هذه الجملة أعلاه هي من أسوأ نتاجات مجتمعنا الشرقي؛ حيث باعتقادهم أن الزواج يساعد الإنسان على التعقل في حين أنه مرحلة لا يجب أن يدخلها إلا العاقل، ولا أقول أن  مشكلته تمنعه من الزواج، ولكن عليهم بالانتظار إلى أن ينضج الشَاب قبل أن يفكروا في تزويجهِ وتوريط أحد “بنات الناس” معه في علاقة، حتى لا يكون الزواج بين طفل لم ينضج وفتاة قد تكون ناضجة وستواجه ملايين المشكلات لأنها متزوجة من طفل. أو أنها ستكون فتاة غير ناضجة أيضاً، فيكون زواج أطفال سرعان ما يفشل.

* في مجتمعنا:

تجد الشاب(سعيد) عاطل عن العمل، ولا يملك من أمر نفسه “بصلة” إذ يعتمد في كل صغيرة وكبيرة على أبيهِ . . حتى في المصاريف اليومية.

وبعد أن يتخرج سعيد من الجامعة ويصطف على سوق البطالة تجد أن فكرة الزواج قد ضربت في رأسهِ، فهو الآن تتوافر فيه كل شروط الزواج والتي في نظره هي – المقدرة الجنسية – وحسب.

يأتي سَعيد إلى والديه، ويقترح عليهم موضوعه، فتجد الأم قد فرحتْ، والأب يفتخر بان ابنه صار رجلاً يريد الزواج. وإذا أتيت إلى سعيد وسألته: هل لديك أي مصدر دخل؟! .. هل تعمل ؟! .. هل لديك مسكن خاص بك؟! .. كم عمرك؟! .. هل أنت قادر على فتح مؤسسة العائلة وإدارتها بشكل مسئول؟!

عدما تطرح هذه الأسئلة فستجده يتهرب منك، وكأنك قد وضعت السيفَ على رقبتهِ. فسعيد شاب قد تخرج من عام، وبالكاد تجاوز الثانية والعشرين من عمرهِ. عاطل عن العمل لأنه لم يسعَ لهُ ولا يوجد لديه أي مصدر دخلٍ أساسي أو بديل يعتمد عليه سوى “التساهيل“. أما عن البيتْ فقد أخذ من بيتِ أهله “غرفة وحمام” ويريد أن يعيشَ بهِ. وفي نفس الوقت هو لم ينجح في إدارة مؤسسة نفسهِ بعد، ولم يجرب الحياة لا بحلوها، ولا بمرها.

وستجده كذلك يعمل على استدانة كل الأموال ابتداءً من المهرِ انتهاءً بطاقم غرفة النوم وكماليات البيتْ، فالمهم هو الزواج، وليسَ المال على حدِ تعبيرهِ.

وبعد الزواج بأسبوع تجده يحبر زوجته على بيع ذهبها حتى يبدأ في سد الديون مع العلم أن الذهب هو من حق المرأة ، ولا يحق للرجل في حالة من الأحوال أن يجبرها على بيعهِ لسدِّ ديونهِ . . نعم ديونهِ فلم يجبره أحد على أن يجتر “بنات الناس” إلى مشاكلهِ الخاصة.

وهنا سيخرج من يحتج ويقول بان الزوجة الجيدة هي التي تساعد زوجها في سد ديونهِ، وعليها أن تقف معه في مشاكلهِ لأنه على هذا تزوجها لتكون شريكة له في كل شيء.

نعم هي هكذا . . شريكة في كل شيء وليس في مشاكل صنعها الزواج نفسهُ، ثم أين ستجد هذه الزوجة بهذه الأخلاق النبيلة العالية التي تتنازل عن حقها في الذهب والحلي؟! لأن هذا النوع قليل جدًا مؤخرًا، ويصعب اقتناصهُ.

ثم تزداد المشاكل يومًا بعد يوم لأنه يعتمد في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ على أهله، فتجدهم تارة يصرخون به حتى يجد لنفسهِ عملاً أو أن يرحل من لدنهم فهم ليسوا مجبرين على القيام بهِ بعد الزواج، وإنما عليهم تربيته وتعليمه وتزوجيه أقصد توريط “بنات” الناس معه!

هل أنا في دعوتي هذه أدعو إلى نشر العنوسة ومنع الشباب من “إكمال نصف دينهم”، وكأنهم قد تركوا الدين كله إلا في نصفهِ.

لا عَزيزي  . . ولكن لنكن أقرب للواقع ..

لماذا تريد الزواج وأنت بدون مصدر دخل؟! . . فتجده يجيب بالآتي:

وهل هناك بَديل . . فقد توافرت كل الشروط لديهِ والتي هي بنظرهِ “القدرة الجنسية” كما ذكرنا سابقاً، وكأن الزواج ليسَ إلا “زريبة” للتكاثر!

ثم يطنب قائلاً: أن وضع البلد “زبالة” ولا يوجد أي مصدر دخل ولا يوجد أي عمل و و و الخ.

وهل هذا مبرر للزواج 😀 ؟! بالله عليك؟!

إذن لقد بحثت عن كل الفرص . . ولنفترض ما قلته بأن وضع البلد سيء للغاية، ولا يوجد أي فرص عمل وها أنت تستدين حتى تتزوج. وتعيش على “الكوبونات” وبالكاد تستطيع أن تنفق على نفسك وزوجتك ثم تبدأ لاحقًا “بالخِلْفة” . . وكأن زواجك سيحل مشاكل المجتمع!

لو كان في المجتمع مشكلة قبل زواجك، فبزواجك صارت المشكلة مشكلتينْ وعشرة، ويا ليت الأمور تتوقف على هذا الزواج وحسب . . حتى تجد لديه بعد مدة من 7 إلى 5 أولاد، وإذا سألته لماذا 7 وأنت غير قادر على إعالة نفسك. فيجيب بأنه يعمل بحديث رسول الله ” تكاثروا فأنا مفاخرٌ بكم الأمم يوم القيامة”، ولم يدرِ الأحمق أن الكثرة التي يريدها الرسول هي كثرة كيف لا كثرة كم !

وهل علمتَ من الأساس أنك غير قادر على الباءةَ فتتزوج؟!

فعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ” من استطاع منكم الباءة فليتزوج” كان يقصدها حرفياً، ولم يقل من استطاع منكم استدانة الباءة فليتزوج . .

وبعدَ هذا كله تجده يقول لك بمثلٍ دارجٍ في مجتمعنا أيضاً: “ الزوجة والولد يأتون برزقهما معهما” . .

نعم صديقي أنا أتفق معك أن الرزق على الله، ولكن علينا أن نتوكل على الله بالعمل أولاً، لا أن نتواكل ونقول بمثل هذا الولد دون الاجتهاد في إيجاد هذا الرزق قبلًا . .فقبل أن تتزوج، وقبل أن يأتيك الولد عليك أن تضمن رزقك ولو بشكل مؤقت. حتى لا تكون من المتواكلين!

وكما قلتَ أنت “الزوجة الولد يأتينا برزقهما معهما” . . ولكن ماذا عن رزقك أنت ؟!

لا تضرب المَثل بالعصور القديمة أو بأن والدك تزوج وهو ابن العشرين عام . . لأنه قديماً كانت الأوضاع تتصف بالبساطة، ويتم إيجاد عمل بسهولة في أي شيء .. لكن الآن ازدادت الأمور تعقيدًا مع دخول النظام للحياة. نظام الجامعة ثم التوظيف و و و الخ.

تذكر أنه كلما ازدادت الحياة نظامًا ازدادت تعقيدًا . . واحتاجت حلولًا أطورَ؛ عِوضاً عن تركها للتساهيل. – أنس سمحان.

Banner12

لا أريد أن أطنب في العتاب لكن حتى لا تنظر للزواج لاحقاً على أنه سجن أو “ربطة”. عليك أن تعمل على إيجاد المال اللازم والكافي لإقامة هذه المؤسسة. وأعلم أن الكثير سيقولون أن السعادة الزوجية ليست مالاً . . نعم ..

السعادة الزوجية ليست مالاً . . لكنه ركيزة أساسية لها وبدونه لا تتحقق – أنس سمحان

ليستْ مالًا لأنهم بحاجة إلى غير الحُب حتى يعيشوا ، ومصاريف غير الحب أيضاً.

Banner12

سؤال: متى يجدر بنا التفكير بالزواج ؟!

– بشكلٍ عام بعد ان تبلغ 25 سنة من عمرك، وقد جربتَ كل أشياء الشباب ولم يبقَ عليك إلا الزواج حتى تكفيك واحدة.

– إن كان لديك أكثر من مصدر دخل ثابتْ  . . وبيت يخصك .

وإن لم تتوفر هذه الشروط، فلا حاجة لك بهذا الزواج، لإنه سيكون عليك لعنة أكثر منه جنة.
جاهد لأجل ان توفرها، حتى توفر لنفسك ولزوجتك عُشاً قوياً لا تهدمه المشاكل الصغيرة، ولا تهدده مصاعب الحياة.

( طبعاً هناك حاالات شاذة تتوافر فيها كل الشروط قبل سن 25، ولكل قاعدة شواذ )

Banner12

ساهم في نشر الموضوع إن أعجبك  . .

 

بينَ القِيل والقال

 

بين القيل والقال

القِيل والقال

“القيل والقال” . .  لا يكاد يَوم أحدنا يُمر دون أن يمر عليه هذا المُصطلح على الأقل ولو لمرة واحدة، فقد صارت حياتنا كلها معتمدة على هاتين الكلمتين. أمست أخبار أهل الحي، تعتمد على القيل، والقال. حتى عدد من وكالات الأنباء صارت تأخذ مؤخرًا بما “قيل ويقال”!

كُلنا نعرف بأن مجتمعاتنا نوعاً ممتلئة بالغيبة والنميمة، بشكل وبائي بين الناس. وهذهِ الأمراض هي من أسوأ الأمراض التي من الممكن أن تحيق بمجتمع ما. حتى أنتَ يا من تقرأ لي الآن، وأنا الذي كَتبت . . أتى يومٌ علينا، واغتبنا فلان، وقلنا في ظهره كلام أو أي شيء!

لم أكتب هَذه المقالة لأضع شِفاءً أو أن أصنع عقاراً لأتخلص من هذا الوباء، فأنا لست بمثل هذه القدرة، وأيضاً إن الطريق الوحيدة للتخلص من هذه الأشياء هو أن نعود إلى ديننا عوداً صحيحاً. كتبتُ هذه المقال لأضع حداً لإحدى المشاكل التي تنجم عن هذه الأمراض.

عَزيزي القارئ . . لو جاء أحدهم لك، وقال لكَ : ” يا فلان، إن فلان يقول عنك أنك كذاب، وأحمق، وانه لا يطيق أن يراك”.  سوف تثور ثائرتك من أجل هذه الكلمات، وسوف تعلن الحربَ على ذاك الشخص، لأن فلاناً، نقلهُ لك . . حتى إنك لم تتحرى الصحة فيما لو كان فلان صادقاً أو كاذباً . . متناسياً قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا”!!

ها أنت تشرع الحرب بينك، وبين شخصٍ لم ترَ منه أي شيء. تشرع حرباً على شخصٍ ربما يكون بريئاً، ويكون فلان أراد أن يحصل كل هذه لتكرهه ويكرهك حقاً لاحقا.

حتى لو كان فلان صَادقاً، فعامل ذاك الشخص بما يُظهر لكَ، وليس بما سمعت عنه، مع الاحتفاظ بالموقف، ليكن لديك وُسع أفق وأن تكون لديك ذاكرة دائمة خاصة بتخزين هذه المواقف، والاحتفاظ بها، لحين استواء “الطبخة“، وحينما يأتي الموقف المُناسب، أو كما نقول “الشعرة التي قصمت ظهر البعير” يمكنك أن تعبر بكل ما فيك من قوة عن مشاعرك تجاه هذا الشخص.

وتأكد تماماً أن الكلام الذي قِيل عنك فِي الخفاء هو كلام لم يكن يجدر بكَ أن تسمعه؛ لذلك إذا سمعت أن أحدهم قد تكلم فِيكَ . . لا تكرهه، ولا تعاملهُ بما سمعتْ . . عامله طبيعياً جداً، حِفاظاً على كرامتكْ، وماء وجهكَ، وحفاظاً على سمعةِ من أخبركَ، وإلا ستكون سبباً في فراق هذا الشخص، وفراق من أخبرك.

وكلنا يعلم قصة الإمام الشافعي (القصة فيما معناها، وليست هي تماماً)، جاء رجل إلى الأمام الشافعى فقال له فلان يذكرك بسوء .. فأجابه الشافعى : إذا صدقت فأنت نمام … و إذا كذبت فأنت فاسق، فخجل و انصرف.

عَامل الناس بما ترى منهم، وليس بما سمعت عنهم فأنت لا تعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.

أنس رجاء أبو سمحان