الفلسطيني والهجرة | أسباب ودوافع!


الفلسطيني والهجرة

الهِجرة – أسباب ودوافع

يولد الإنسان باكيًا وحينها تقوم الأم بتدفئتهِ واطعامهِ لأنها تعلم أن هذه هي المُشكلة، وليس لأنه فقط مجرد مزعج يريد البكاء. تقوم الأم بمهمتها المنوطة بها بشكل صحيح لا بضرب الطفل لأجل أن يسكت. وهنا درس يجب تعلمهُ فالأم هنا قضت على المٌشكلة. قضت الأم على المرض لا على العَرَضْ. بعد أن ينمو الطفل في العالم العربي يبدأ حينها بالعيش داخل مُشكلة كبيرة، ولا يسعى أبدًا إلى حلها، وإنما إلى معالجة أعراضها وهنا مُشكلة أخرى تتولد. وهذه المُشكلة هو ترك المشكلة كما هي والبحث عن مكان خال من المشاكل للبدء بهِ. وكذلك الأمر مع الهجرة مؤخرًا. الهِجرة ليستْ إلا نتيجة. من يقول أن الهجرة مُشكلة يكون مرة أخرى مُخطئًا حيث يبدأ بتوجيه اللوم للعَرَضْ مُجددًا. فكما نرى حينما يُصاب الإنسان بمرض ما أو حينما تُكسر ذراعه. فنحن لا نقول بأن يده هي المشكلة. أو أن العظم هو سبب الكسر. لأن الكسر هنا ما هو إلا نتيجة مشكلة أخرى وهي عدم الاهتمام بالصحة مَثلًا.

نعود للهجرة والفلسطيني.

الفلسطيني إنسان يولد مع جدول الكهرباء مطبوع في رأسهِ. يولدُ مكتوب على جبينهِ – بائس –. فقد ولدَ في الانتفاضة الأولى وما كاد أن يكبرَ قليلًا حتى أصبح أسيرًا، ولكنه حين خرجَ من سجنهِ لم يجد أي داع للحياة حيث القادة وغباءهم قد أفسدوا كل شيء. حتى وان علم هو حل المُشكلة فلن يتم استخدام حلولهُ فالكُل مُستفيد من بقاء المشكلة إلا الشعب. تزوج هذا الفلسطيني وهو يعمل بكد وقد كان زواجه بالديْن. لم يصبح عُمر ابنهُ العاشرة حتى قامت أيدي الانقسام بقتلهِ ربما عن طريق الخطأ. وما كاد أن ينتهي الانقسام حتى خسر زوجته وباقي أولاده في الحرب الأولى. لكنه يكابر ويصمد لأجل الوطن. قرر أن يتزوج من جديد ويبني من جديد. كان قد أتم البناء ومُستعد 100% للزواج الجديد وبدء حياة جديدة لكن الحرب الثانية لم تسمح له حيث تم قصف بيته الجديد وخطيبته قد استشهدت. لكنهُ كذلك قرر الصمود لأن شعبه – انتصر – في هذه الحرب. يُكابر على جرحهِ مُجددًا. يُقرر أن يبدأ من جديد مرة أخرى. ولكن الانقلاب الأخير في مصر لم يسمح له. لأنه أعاد الفلسطينيين إلا ما قبل نقطة الصفر. فقدنا نقطة الانطلاق.

لكنه يُكابر ويتحمل لأجل الوطن (أي وطن؟!). يسأل نفسهُ: (أعطيتُ وطني كل شيء. أحببت وطني أكبر من كُل شيء. أملتُ في وطني كثيرًا لكنه لا يتردد في إمنائي خيبة بعد خيبة. وخسارة بعد خسارة. هل تراها التضحية قليلة بعد؟! أم أن الوطن لسنا مثلما نعتقد؟! ربما لا يريد الوطن التضحية بقدرِ ما يريد أن يصلح من يمثلونهُ؟!). ينتهي التساؤل ولا سبيل فيعود إلى دوامة أفكارهِ.

وبرغم الحصار. وبرغم الموت البطيء يُقرر الفلسطيني أن يعيشْ. فالموت ليسَ خيارًا مطروحًا وان كان فلن يختاره طبعًا. حَرب أخرى تلوحُ في الأفق. يقولون أن المقاومة مُستعدة جيدًا ومعها ما يكفيها لحربٍ تستمر لست شهور أخرى. يا إلهي. هل هذا حقيقي؟! هل الشعب مُستعد للصمود طوال هذه الفترة؟!. خخخ لم يسأل أحد هذا السؤال. وما المهم في الشعب؟! المُهم هو المقاومة وليحترق الشعب. الشعب كله وقود للمقاومة حتى لو لم يبقَ شيء. حتى لو لم يبقَ فلسطينيّ حيّ. المُهم هو الوطن. يا حمقى نحن الوطن!

تأتي الحرب مُجددًا ويقف الفلسطيني بجانب المقاومة مَرة أخرى. لا خيارَ آخر أمامهُ. لكنه لم يعلم الكلفة بعد. كان يقول قبل الحرب – لم يبقَ شيء لنخسرهُ – لكن حين أتت الحرب وجد أن هناك أشياء كثيرة تمنى لو لم يفقدها. تستمر الحرب شهرين. والصراخ والفقد الموت لا تنتهي. نُكابر. نباهي على لا شيء ونقول بأننا قادرون على الاستمرار أكثر. ونحن لا نملك قوت غدنا. يبدو مُجددًا أن المقاومة قادرة على الاستمرار والشعب لا. فالمقاومة كيان. والشعب كيان آخر. يا حمقى كلنا مقاومة. نحن المقاومة. تقول المقاومة بأنها ستفرض شروطها. فيستمر الصمود. بلغت بنا الحلقوم إلى أن تم إعلان انتهاء الحرب. عادةً يفرح الناس بكماليات الحياة. لكننا نحن فرحنا فقط لأننا لم نمت.

انتهت الحرب وأوضاع الفلسطيني أسوأ مما كانت قبل الحرب. يحاول جاهدًا أن يقف على رجليهِ بعد هذه المعركة الشعواء. يرفع صوتهِ عاليًا يطلب من المقاومة نتائج المباهاة. نتائج إطالة المَعركة. فُيتهم بالخيانة والخروج عن الصف الوطني. يُتَّهم بالخيانة وغيرها. فيعاود السكوت مُجددًا. ينتظر. أسبوع والثاني يخلفه وهو ينتظر أن تتحقق شروط الحياة التي قِيل أنه تم الاتفاق عليها، ولا سبيل!

قبل الحربِ كان العمل فقط مفقود. الآن فقدَ الفلسطيني الهُوية. بَعيدًا عن مثالية الوطن والدين. ماذا بقي له هنا؟!

حاول أن يكون له صوت الإصلاح والتجديد في الانقسام لكن كل طرف كان يتهمه بأن ينتمي للطرف الآخر. حاول أن يرفع صوتهُ بعد الحرب الأولى لكنه أُتهم بالخيانة لأنه يشكك في انتصار الفرقان. ثم حاول أن يطالب بتحسين التعليم وغيرهِ من مطالب الحياة. فاتُهمِ بالليبرالية. فالمطالبة بحقوق الحياة الكريمة يجعلُ منكَ ليبراليًا. ربما تستغرب أن كلمة ليبرالي هنا كمسبة أو إهانة. لكن هذه يعتمد على الحزب الحاكم. فالحزب الإسلامي يعتبر الليبرالي – كافر –. وحين حاول الفلسطيني أخيرًا أن يطلب الحقيقة بعد الحرب الثالثة. مُجددًا اتهم بالخيانة. فالحقيقة ضبابية ولا يطلبها إلا مُتآمر مع الاحتلال. وما فائدة الحقيقة لمواطن عادي؟! المُهم أن يعلم القادة وحدهم الحقيقة. نحن لا نستحق الحقيقة. وبين كاني وماني فقدنا الانتماء، فقدنا الهُوية، فقدنا الوطن. لم يعد هُناك وطن. ضاع الوطن تمامًا حين ادعى البعض أنهم يمثلونهُ ككل. باعنا الوطن ورحل.

ما الوطن؟!

حينما نأتي لتعريف الوطن؛ فالوطن كيانان متكاملان. أولاً الكيان المادي؛ وثانيًا الكيان المعنوي(الأدبي)

تعريف الوطن حسب الكيان المادي: هو المكان الذي تحفظ فيهِ كرامتي ويكون فيهِ مَعاشي. فأينما أجد احترامًا وتقديرًا لذاتي وأسس حياة متوفرة فهو وطنْ (مادي) أما عن الحنين والعودة فهذا يعود بنا إلى التعريف المعنوي (الأدبي للوطن).

تعريف الوطن حسب الكيان المعنوي(الأدبي): انتماء. المكان الذي تنتمي اليهِ أنت وقلبكْ. العلاقة مع الأشياء. فأنا حين أخرج إلى بلد غربي أجد فيهِ الوطن المادي لا يمكنني أبدًا ان أشعر بالوطن حقًا لأني مُغترب وأتفقد علاقتي مع الأشياء التي أنتمي إليها مثل (أمي-أبي -بيتي -حبيبتي) وغيرهُ. وبالتالي الوطن هو العلاقة المتكاملة بين هاذين الكيانين.

ولربما يجيء سائل: هل يمكن أن نفقد الوطن!؟

الإجابة نعم: ففي بلدٍ لو فقدتَ كل ما تنتمي إليهِ فلن تجد لكَ فيهِ مكانًا إلى للحزن والبكاء؛ فإذا مثلًا: فقدتَ أهلك كلهم وبيتكَ وكل أقربائك < وقد يحصل هذا في حالات. فأنت قد فقدت الكيان المعنوي للوطن وهذا يجبرك على تغيير المكان والانتماء إلى مكانٍ جديد قد يكون هٌو الكيان المادي لاحقًا.

وإذا استطعنا أن نوحد الكيانين في مكان واحد هنا يكون قمة الشعور بالوطن والانتماء والحُب!

وها هو الفلسطيني يفقد كل شيء. يفقد الانتماء بين الأصفر والأخضر والأحمر. صمدَ الفلسطيني، لكن عُمره الآن انتفاضتين وثلاث حروب وألف ألف موت!

وما بقي لهُ بعدها؟! سيسعى لمكانٍ جديدٍ يضمنُ له على الأقل كيان واحد. كيان يحترم كونهُ إنسان يستحق أن يكون له صوت. فيتجه للمعبر فيجد موت آخر ينتظره هناك. فلا يجد أي مناص لهُ إلا أن يهاجر عن طريق البحر. وأرجو أن لا يطلق عليها هجرة غير شرعية. لأن الفلسطيني فقد شرعية الحياة قبلًا، ولا شرعية فوق شرعية الحياة. وبعدها يُصبح كل شيء شرعيّ. الشرعية الوحيدة الممنوعة هِي شرعية الموت.

أنس رجاء أبو سمحان

27/09/2014

رأي واحد حول “الفلسطيني والهجرة | أسباب ودوافع!

أضِف تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s