طالما كان تأليف كتابٍ يتصدر قوائم البيع على قائمة قرارات السنة الجديدة لدينا جنبًا إلى جنب مع تخفيف الوزن، ولكن لو كنت قد قررت أن تبدأ في كتابة روايتك في شهر يناير/كانون الثاني، فعليك أن تطّلع أولًا على الأشياء التي ساعدت أشهر المؤلفين في الماضي أو على الأقل أن تتجنب الحماقات بهذا الخصوص عند البدء.
- اخلق روتينًا والتزمِ بهِ:
اكتب في الصباح الباكر أو في الآخر الليل، فلا يهم متى تكتب. المهم أن تكتب عندما تكون في ذروة انتاجيتك، ثم التزم بجدول الكتابة الذي وضعته لنفسك.
بالنسبة لكتّاب مثل ليو تولستوي وجين أوستن وإرنست همنگواي وكورت فونيگوت، فقد كانوا يستيقظون مُبكرًا عند الفجرِ ويبدؤون الكتابةَ حتى وقت الغداء ثم يسترخون ويتفرغون للقيام بالأعمال أخرى مثل التحرير بقية اليوم… أو في حالة همنغواي فإنه كان يتفرّغ للشرب.
وكان لدى جاك كيروك أسلوب حياة معاكس للكتّاب أعلاه، فكان لا يستيقظ من نومهِ إلا بعد الظهر ثم يستمر في الكتابة من منتصف الليل إلى طلوع الفجر. فرانز كافكا وچوزيف هيلر كانا يعمل بدوام كامل كوكيلا تأمين مما اضطرهما أيضا للكتابة ليلًا.
وبعض الكتاب الآخرين، مثل ستيفن كينگ، كان روتينه الكتابي أن يحدد لنفسهِ عددًا معينًا من الصفحات الجديدة كل يوم (ست صفحات) وأن يكتبها مهما كانت الظروف. ويختلف معدل سرعة الكتابة عند الكتّاب اختلافًا عامًا ولكن كلهم تقريبا يحددون لأنفسهم عدد كلمات يومية للكتابة.
في مقابلة أُجريت لموقع باريس ريڤيو في عام 2004، كشف هاروكي موراكامي -أحد أعظم الروائيين في العالم- عن روتينه اليومي: «عندما أجد نفسي في الحالة المزاجية المناسبة لكتابة رواية، فإني أستيقظ الساعة 4 صباحًا وأعمل عليها من خمسٍ إلى ستِ ساعات، أمّا في فترة ما بعد الظهر، فأجري مسافة عشرة كيلومترات أو أسبح مسافة 1500 متر (أو الاثنين معًا)، ثم اقرأ قليلًا وأستمع إلى الموسيقى. أخلد إلى الفراش الساعة التاسعة مساءً، وأبقى على هذا الروتين يوميًا دون تغيير. وحينها يصبح التكرار نفسه شيئًا مهمًا وحالة من حالات السحر، وأنا أسحر نفسي بهذه الطريقة للوصول إلى أعماق عقلي».

- اعثر على المكان المناسب للكتابة:
اعتاد الكاتب الشهير ترومان كابوت -مؤلف روايتي الإفطار عند تيفاني Breakfast at Tiffany’s وبدمٍ باردIn Cold Blood – أن يكتب وهو جالس في سريره وواضعًا الآلة الكاتبة على ركبتيهِ. وكثيرا ما كتب إرنست همنگواي وڤيكتور هوغو وهما واقفين، أما رولد دال، فقد كان يكتب في آخر الحديقة. وكاتب السيناريو الهوليوودي الأسطوري -دالتون ترومبو- فغالبا ما كان يكتب ويحرر وهو في الحمام لأنها كانت الطريقة الوحيدة ليبقى بعيدًا عن أطفالهِ.
قد تبدو هذه الأمثلة متطرفة بعض الشيء، إلا أن بعض الدراسات أظهرت أن كل واحد منا لديه مكان مثالي للعمل والذي يمكنه له أن يتأثر بأي تغيير مهما كان صغيرًا، كأن تغير اتجاه مكتبك حتى يدخل الضوء إلى عينيك من زاوية مختلفة. من ناحية أخرى، بعض الناس وبحكم الضرورة، يخرجون أفضل نتاجهم في بيئات صعبة. فلا تمتلك ج. ك. رولينگ روُتينًا معينًا أو مكانًا مناسبًا ومثاليًا للعمل، ولذلك نجدها تفضل الكتابة في أي وقت وفي أي مكان يسعفها فيهِ عقلها. وقالت: «في بعض الأحيان يكون عليك أن تكتب في اللحظات الضائعة هنا وهناك. يمكنني الكتابة في أي مكان. لقد وضعت أسماء الشخصيات على حقيبة التقيؤ بينما كنت على متن طائرة».
وكتبت فيونا موزالي روايتها الأولى -والتي ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر البريطانية 2017- في طريق ذهابها وعودتها من لندن إلى يورك على متن القطار.

- ابتعد عن الإنترنت:
الإنترنت ظاهرة حديثة، وبلا شك فهو اختراع مألوف لأي شخص أضاع عليهِ ساعةً أو نهارًا كاملًا. وقد طلبت الكاتب سوزان سونتاگ من الناس أن لا يتصلوا عليها في الصباح، لأنها لا ترد عليهِ أبدًا، ومع ذلك، ومع ظهور الإنترنت، صار هناك دافع لاتخاذ تدابير أكثر جذرية ليتمكن الكتّاب من التركيز. وأحد أكثر الحلول جذرية، هو ما فعله الكاتب جوناثان فرانزن الحائز على جائزة پوليتزر، والذي كان يقطع كابل الإنترنت عن بيتهِ عندما يبدأ بكتابة رواية.
وتؤكد زادي سميث أيضا على أهمية الابتعاد عن الانترنت، فهي تكتب على حاسوب غير متصلٍ بالإنترنت. بعض الكتاب الآخرين يستخدمون برمجيات حجب الانترنت، والتي تعطيهم 15 دقيقة (اتصال) بعد إنجاز كتابة ألف كلمة على الأقل.

- عليك بالقراءة ثم القراءة ثم القراءة ثم القراءة:
قال پيكاسو ذات مرة: «الفنانون الجيدون يقلدون، أما العظماء، فيسرقون». كل الكتّاب مدينون لحدٍ ما للكتّاب الذين سبقوهم. فأي تأثير خارجي يمكنه إما أن يُحسّن أو أن يعزز كتابتك. قال وليام فوكنر: «تماما مثل نجارٍ يتدرب ويراقب سيده عن كثب. اقرأ حتى تتشبع، ثم اكتب. إذا كانت الكتابة جيدة، فتستعرف لوحدك، وإذا لم لتكن جيدة، فارمِ ما كتبت من النافذة».

- لا تقلقنّك المسودات السيئة، فهي أفضل من عدم الكتابة:
كتب إلوين برووكس وايت -مؤلف كتاب شارلوت ويب-: «الكاتب الذي ينتظر الظروف المثالية للكتابة، سيموت قبل أن يكتب أي كلمة». مفتاح الكتابة لأي كاتب، هو أن يبدأ. قالت ميراندا جولي في حديثها مع صحيفة الغارديان «في مرحلة ما، لم أدرك أنني كنت أعد المسودة الأولى. وكانت المسودة الأولى هي الجزء الأصعب. من هناك، وبعدها كل شيء صار سهلًا نسبيا. كان الأمر بعدها مثل اللعب بالطينة الحُرة (Play-Doh)، حيث يمكنك أن تكتب مئات المسودّات وتغير بعض الحبكات من الصفر أن تخلق شخصيات جديدة وتقتل أخرى وتحل الألغاز”.
أرأيت؟ ابدأ الكتابة!

9 حماقات عليك تجنبها عند كتابة روايتك الأولى
- حماقة اختيار راوٍ غير مكروهٍ:
على القارئ أن يحب صوت الراوي (وليس الراوي نفسه ولكن صوته، صحيح أنهما مرتبطان ولكنهما مختلفان) وإلا فأنت لا تهتم لما سيحصل. يقوم مبدأ الرواية كاملًا على اهتمامك فيما سيحصل. صحيحٌ أنّ خورخي لويس بورخيس، في مجموعته القصصية القصيرة -متاهات- استخدم مسؤول معسكر اعتقال نازي كراوٍ لقصة القداس الألماني، ولكن هذا الأمر استمر فقط لأربع صفحات. أربع صفحات من الفاشية الفاحشة الصارخة هي قدرة الشخص العادي على الاحتمال. كن محبوبًا ومدهشًا. كن شريرا إذا أردت، ولكن لا تجعل الرواي مكروهًا بشدّة.
- حماقة إيلاء «الحبكة» كل الاهتمام:
اترك «الحبكة» أو هيكل الرواية إلى النهاية. هناك المليونيرات مثل روبرت ماكي -مؤلف كتاب «قصة»- والذين صنعوا ثروة وهم يقولون لنا بأن «القصة» أهم شيء. ثم يقدمون تعليمات صارمة لاتباعها في الكتابة. ولكي نكون منصفين، حتى بعض الكتاب المحترمين يدعون إلى هذا النهج الهيكلي ولكنه يقتل أكثر مما يشفي. المشكلة الحقيقية في الكتابة القائمة على الحبكة هو أن أحداث الرواية تُعدّل وتُشكّل لتتناسب مع الحبكة، وهذا يميل إلى جعلها مفتعلة. من الأفضل العثورِ على أحداث مقنعة والتي يمكن دمجها في القصة بشكلٍ معقول، لتشكّل في النهاية هيكلًا مترابطًا ومقبولًا.
- حماقة الحقائق قبل العلاقات:
أخبرنا نپوكوڤ وأقنعنا أن الرواية عالم متكامل. يبدأ الكتاب الجدد بوصف هذا العالم بتفاصيل معقدة ويخترعون أماكنًا وأحداثًا جديدة. أما أنت، وعند تفكيرك في عالمك الخاص، كنت متأكدًا أن الأمر ليس مرتبطًا بالتفاصيل بقدر ما هو مرتبط بالعلاقات. ولخلق عالم ما، ستحتاج إلى عدد معين من العلاقات. والمفتاح: يجب لهذه على هذه العلاقات أن تنوّع في الأعمار والجماعات والحدود. إذا كان الجميع بنفس العمر فأنت تخلق مجتمعًا صغيرًا لا عالمًا. وأحد أهم المحسنات البديعية التي استخدمها فيليپ ديك، صاحب رواية «اعترافات فنانٍ سيء» ورواية “هل تحلم الروبوتات بخرفان آلية؟” (والتي تحولت لاحقًا إلى فيلم (Blade Runner)، كانت العلاقة ثلاثية بين الجد والأب والابن. في بعض كتبه كان الجد بمثابة الحكيم المرشد. ويمكننا أنرى نفس المحسن البديعي في هاري بوتر عبر شخصية دمبلدور كشخصية نمطية للجد.
- حماقة عدم الصدق:
تتعامل الرواية مع ما هو صادق من القلب في الشخصيات. لا يمكنك الكتابة عن الطقس أو عن حالة الأمة إذا كانت الشخصية الرئيسية لديك متعلقة بالجنس. إذا كان الجنس هو ما يجيده وهو الشيء الصادق فيهِ، فعليك أن تكتب عن هذا الشيء. حتى لو كان المشهد محبوكًا بعناية، لن ينقل للقارئ أي مشاعر أو معلومات لو لم يكن صادقًا أو لم تكن الشخصية معنية فيهِ تمامًا.
- حماقة عدم ترك الأشياء وشأنها:
تصور أن تكتب عن شرطي يلعب الغولف لأنها شغفه. أنت تعرف عن الغولف ولكنك لا تعرف الكثير عن الشرطة. ولإثبات العكس نراك تكثر من وضع المراجع والجمل لتثبت أنك بحثت بما فيه الكفاية عن الشرطة. انسَ ذلك. دعه وشأنه. اكتب عن الشيء الذي تعرفه جيدًا وتخطَّ الباقي. وكنصيحة، يمكنك أن تجعل كل رجال الشرطة في روايتك يكرهون عملهم (إذا كانت هذه هي نقطة ضعفك) لتتجنب لكتابة عن الأشياء التقنية فيما يخص عملهم. وتذكر أن على الكاتب أن يترك بعض الأشياء دون ذكرها وإلا فإنه سيصبح مملًا جدا.
- حماقة التفاصيل المفرطة:
مستوى التفاصيل التي يجب وضعها يعد قلقًا متكررًا عند الروائيين. في الواقع «صوت السرد» هو الذي يحدد مستوى التفاصيل المناسب. وعند تخلصنا من «الصوت»، يبقى النص كانعكاس لواحدٍ أو اثنين من الشواغل الأساسية للراوي، وفي معظم الأحيان، يكون ما يهدده إما جسديًا أو عقليًا. واعتمادًا على ما هو على المحك بالنسبة للراوي، أو الشخصية التي نرى العالم من خلالها، نجدنا نرى ونحكم بشكل مختلف. وبنفس الطريقة التي نلاحظ فيها جميع أنواع التفاصيل التافهة ونحن ننتظر النتائج في غرفة الفحص الطبي، فإن مستوى التفاصيل يرتبط ارتباطًا وثيقًا «بمستوى التهديد» الواقع على الشخصية المركزية/الرواي.
- حماقة اللبس بين الأحداث المترابطة والحبكة الحقيقية:
الأشياء المتتالية والمرتبطة ببعضها البعض، تسمى عادة بالحبكة. ولكن الحبكة الحقيقية تكون في الجملة الأولى. فهي ذلك الشعور بالتوتر أو التوقع في تلك الجملة، وليست القصة أو تسلسل الأحداث أو تسلسل السببية أو دافع الشخصية.
يدور معنى الحبكة حول أقل العناصر المفهومة في الكتابة، ولكن يمكنك بسهولة الاهتمام بها. وأفضل طريقة لخلق حبكة كهذه، أن تفكر في شخصية لديها صراع داخلي، كلاعب بناء أجسامٍ على سبيل المثال ويعمل في مكتبة ترمم مخطوطاتٍ قديمة. منذ بداية الفكرة، هناك شيء للكتابة عنه!
الحبكة ببساطة: شيء للكتابة عنه. وبهذه الطريقة يمكنك أن تشعر بحضورها في الجملة الأولى – هل يسحبك هذا الشيء إلى الداخل أم تجد نفسك محاولًا دفع فكرة في رأسك لتضعها على الصفحة؟ تحتاج إلى التعود على أن يحسبك ذلك الشيء. فالوضع الذي تضع فيه شخصياتك في يجب أن يضغط عليهم بشكلٍ كافٍ ليعطيك شيئا للكتابة عنه.
- حماقة عدم وجود وكيل:
في نابولي، هناك بلطجي يضع يده على صندوق بريد وعليك أن تدفع له ليرفعها لترسل بريدك. كثير من الكتاب يشعرون بنفس الطريقة تجاه الوكلاء. لا تكن مثلهم. فقبول روايتك للنشر يتضمن عملية إقناع الناس بشكل متسلسل. أول شخصٍ عليك أن تقنعه هو الوكيل. لا يجب أن يكون الوكيل مشهورًا. عليك أن تقنع شخصًا واحدًا بعد أمك بأن عملك يستحق أن يقرأه الملايين. حظا سعيدا!