تاريخ حروب الخُبز يخبرنا بالكثير عن صراعات اليوم
لا بدّك أنك سمعتَ هذا التعبير قبلًا «ما يفصل بيننا وبين الفوضى ثلاثة وجبات في اليوم»، وحتى لو لم تسمعه تمامًا، فأنت تعرف تمامًا أو قد سمعت قبلًا عن أمثالٍ وجملٍ من قبيل ثورات الجياع أو ما يشبهها. الوجبة المقصودة في مثل هذا التعبير وعند الحديث عن الجياع، هي الخُبز.
يُعد الخبز واحدًا من أقدم وأرخص الأطعمة المُعدة في العالم، مع وجود أدلة أركيولوجية عليه تعود لأكثر من 30,000 عام في تاريخ البشرية. غالبًا ما تشير الروايات التاريخية عن صناعة الخبز إلى إن الروماني بليني الأكبر كان أول من شرح كيفية استخدام مقشود البيرة في إعداد الخُبز (بديل عن الخميرة). وكان يُعتقد في مصر القديمة أن العمال الذين بنوا الأهرامات كانوا يحصلون على أرغفة الخُبز مُقابلًا لعملهم.

وحتى هذا اليوم، نجد أن الكلمة المُستعملة للخبز في مصر هي كلمة «عيش» والتي تعني الحياة، ويعد من الحرام والممنوعِ أن تقطع الخبز بالسكين في عددٍ من دول الشرق الأوسط. وإذا كنتَ مثل العديد من الأميركيين، فقد تتساءل عن سر علاقة الحب/الكراهية مع الغلوتين والكربوهيدرات بقرون من الصراع الأهلي أو حتى الأزمة السورية الأخيرة.
اتضح وجود علاقة تاريخية فعلية بين زيادة أسعار الحبوب والاضطرابات المدنية.

وهذا لأن الخبز المصنوع من الحبوب والخميرة والماء، تمكن من إعالة الفقراء لعدة قرون. تاريخيًا، حين لا يكون بإمكان الناس شراء الخبز، كانوا يعرفون بأنهم سيتضورون جوعًا، وهو ما دفعهم للثورة.
لقد سقطت دول بأكملها بسبب عدم توفر الخبز. قد لا ندرك ذلك تمامًا، لكن ثورات الخبز عبر التاريخ تُخبرنا بالكثير عن الصراعات العالمية في حاضرنا. في هذه المقالة، أسرد لكم 5 ثورات خُبز غيّرت مسار التاريخ.
حروب الطحين – فرنسا (1775)

من المثير للدهشة أن ماري أنطوانيت ربما لم تخبر الفلاحين الفرنسيين أبدًا أن يأكلوا الكعك. وفقًا للمؤرخين، ربما تكون حروب الطحين الفرنسية الشهيرة قد أدّت دورًا رئيسًا في إحداث الثورة الفرنسية. وجد العلماء أن أكثر من 652 من الاحتجاجات الغذائية في فرنسا بين عامي 1760 و1789، والتي أدت في النهاية إلى الثورة الفرنسية في عام 1789، كانت نتيجة انخفاض محصول الحبوب وارتفاع أسعارها.
احتجاجات الطحين – نيويورك (1837)

عندما تسبب الكساد في ارتفاع الطحين من 7 دولارات للبرميل إلى 20 دولارًا في عام 1837، اتهمت شركتي Eli Hart & Co وS.H. Herrick & Co في نيويورك بتخزينه. عندما عرف الناس لم يسكتوا، ونزلوا إلى الشارع، ودمرت أعمال الشعب 500 بوشل من الطحين (17619 كيلوغرام) و1000 برميل من القمح في متجر هارت. زاد عنف أعمال الشغب للدرجة التي أجبر الكتيبة السابعة من جيش الاتحاد في نيويورك أن تنزل للشوارع للسيطرة عليها.
احتجاجات خبز ريتشموند – ريتشموند (1863)

خرج حشد كبير من ربات البيوت الكونفدرالية في عام 1863 إلى الشوارع بالفؤوس في ريتشموند وفيرجينيا، وهن يرددّن “الخبز أو الدم” وذلك في أثناء نهبن لمحلات الطحين. انطلقت هذه الحشود بسبب ارتفاع أسعار الطحين 10 مرات في غضون عامين، بالإضافة إلى التعامل مع زعيم أصم. وهذا ما جعل النساء أن يخرجن ليأخذن حقهن بأيديهن، ولكنهن وقتها لم يكتفين بأخذ الطحين فقط بل أخذن أيضًا عربة مُحملة بلحم البقر وبـ 500 رطل من لحم الخنزير المقدد أيضًا.
انتفاضة الخبز – مصر (1977)

في عام 1977 ، ألقى الدكتور عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية خطابًا أمام مجلس الشعب في 17 يناير 1977 بخصوص مشروع تقشفيّ يرفع الأسعار للعديد من المواد الأساسية مثل القمح والخبز. أدى ذلك إلى انتفاضة في عدة مدن مصرية في أيام 18 و19 يناير. قُتل مئات الناس في هذه الانتفاضة وأصيب عدد أكبر، واستمرت الاحتجاجات إلى أن أعادت الحكومة دعم القمح الذي يعتمد عليه الكثير من المصريين الفقراء.
ولم تكن هذه ثورة الخبز الأخيرة في مصر…
ثورات الربيع العربي – العالم العربي (2008 – 2011)

في عام 2008، ومع تفاقم الزيادات العالمية المفاجئة في أسعار الحبوب الناتج عن تضخم الأسعار، أدت إلى بعض أعمال الشغب في مصر، وهو ما ذكّر الكثير من الناس بالأحداث المضطربة التي وقعت قبل 31 عامًا.
ارتفع سعر الطحين المدعوم من الحكومة فجأة، والذي كان يُباع بـ 3.14 دولار لكل 100 كيلوغرام، إلى إلى 377 دولارًا في السوق السوداء. ولأن 40% من المصريين يعيشون في فقرٍ، فإن كثير منهم لا يستطيعون العيش بدون الخبز المدعوم من الحُكومة. اجتاحت الاحتجاجات وأعمال الشغب وقتها مصر على طولها وعرضها، وأدى ذلك إلى قتل عدد من الناس أمام المخابز الحكومية.
ومع استمرار ارتفاع أسعار الحبوب في العالم، بدأ التونسيون في عام 2010 حالة من التمرد وهم يحملون الخبز في أيديهم. وصارت الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك في عام 2011 بمثابة البداية لتحول كبير زعزعَ استقرار المنطقة بأكملها، والتي صارت تُعرف باسم ثورات الربيع العربي.
أطلق كثير من الناس على ثورات الربيع العربي: ثورات الجياع.

كما وتعد الأزمة الحالية في سوريا أيضًا مثالًا رئيسًا لما يمكن أن يحدث عندما لا يكون لدى الناس ما يكفي من الطعام. على الرغم من أنه قد يكون من الصعب فهم مشاكل سوريا الحالية بشكل كامل، يعتقد بعض الباحثين أن الأمر يتعلق جزئيًا بالقدرة على الوصول إلى الخبز. قبل فترة ليست طويلة، كانت سوريا الدولة الوحيدة في المنطقة بأكملها المكتفية ذاتيًا تمامًا في إنتاج الغذاء، وتحديداً في محاصيل القمح مثل الشعير.
جادل الخبراء بأن فشل المحاصيل الهائل بسبب الجفاف والتغير المناخي المحتمل من عام 2006 إلى عام 2009 هو الذي دفع المزارعين السوريين إلى تحدي حاكمهم أخيرًا. وعندما رد الرئيس السوري بشار الأسد بالقمع، استهدف صراحة المخابز التي كانت تحت سيطرة الثّوار آنذاك.
بالنسبة للكثير من فقراء العالم، يعتبر الخبز ضرورة لمواصلة الحياة. لكن العديد من العوامل، مثل الجفاف المنتشر في جميع أنحاء العالم، زادت من صعوبة زراعة الحُبوب ونموها.
تعد سوريا ومصر جزءًا مما كان يُعرف سابقًا باسم الهلال الخصيب، وهي منطقة من العالم بدأ فيها الناس أولًا في زراعة الحبوب وتشكيل الحضارات. ولكن الآن، صارت الحبوب التي جعلت بلادهم مشهورة، نادرة وشحيحة. عندما يختل هذا التوازن الدقيق في الوصول إلى الأغذية الأساسية، يظهر لنا التاريخ أن هذا قد يؤدي إلى انهيار أمم ومجتمعات بأكملها.
يُخبرنا التاريخ، عندما يشح الطحين وتندر الحُبوب، تحصل الاضطرابات المَدينة.