اختراع الأسبوع – سلسلة طُغيان الوقت


تعلّم الأميركيون (والعالم) خلال عُزلة الجائحة في عام 2020 الكثير من الأمور، ومن أهمها، مقدار تعلقنا بنظام الأيام السبعة في الأسبوع. ومع تكوِّم الشكاوى حيال فقدان التركيز المؤقت خلال شهر أبريل، ذهب انتباهنا إلى التقويم الأسبوعي بدلًا من السَّاعة. وقد حدا هذا الأمر بقناة تلفزيونية في كليفلاند، تعمل تحت شبكة فوكس الإعلامية، أن تُسلي جمهورها ببرنامج كان عنوانه «في أي يوم نحن؟ مع تود ميني»، وقُدّمت الإجابة نفسها في كل مرة، «في واحد من أيام الأسبوع»، ولم يتم اختيار أي تاريخ من التقويم الغريغوري».

تداخلت الساعات والأشهر والفصول وكل وحدات قياس الوقت في بعضها البعض، ولكن كان غياب القدرة على تحديد أيام الأسبوع أكثر المواضيع نقاشًا حول العالم. قال توم هانكس في البرنامج الحواري Saturday Night Live، في مونولوغه بأنه لم يعد ليوم «السبت» (الجمعة في الدول العربية) قيمته كما كان. صار كل يوم هو «اليوم»، وانتشرت صور ميميَّة Memes تقول إن الأيام أمست ضبابية، وصارت أيام الأسبوع: «اليوم، ذلك اليوم، اليوم الآخر، يومًا ما، الأمس، هذا اليوم واليوم القادم»، وصار انهيار الأسبوع صورة كوميدية مبتذلة.


لماذا فقدنا الإحساس بالأسبوع في وقت الجائحة؟

أعادت تجربة أيام كوفيد-19 الضبابية للمجال العام مسألة الحياة الأسبوعية، ودفعت لسؤال مهم: لماذا البقاء في مكان واحد يدعو الناس لفقدان الإحساس بأيام الأسبوع، وأشار كثيرٌ من كُتاب المقالات إلى أن عمل الناس من المنزل في أثناء الجائحة أفقدهم العلامات البيئية التي تساعدهم على التفريق بين العمل وباقي مناحي حياتهم. صارت أيام العمل والراحة مُتشابهة، وعليه، وفي غمرة دائرة الأيام، لم نعد نعرف مدى بعد/اقتراب نهاية الأسبوع.

انتباهنا للأسبوع يتعزز بعادات وطقوس الآخرين، وعندما حُجِبت عنا تلك العادات والطقوس وتغيرت تغييرًا جذريًا في عام 2020، بدا لنا أن فكرتنا عن الأسبوع قد أخذت بالانهيار.

ولكن التوضيح أعلاه ليس كافيًا، فالتواصل عن بعد كان موجودًا وشائعًا قبل الجائحة، ولم يولد قبلًا ذلك الإحساس  بالارتباك الزمني. إضافة إلى أن العمل من المنزل يُربك التقسيم الزمني لليوم أكثر مما يؤثّر على الدورة الأسبوعية، إلا أن النكات والميمات المُنتشرة لم تُعلق على تداخل الساعات. كما أن الشكاوى حيال الارتباك الزمني لم تكن متعلقة بالتواريخ والتقويم الغريغوري، على الرغم من أن الجائحة هاجمت أهم طقوس البشر السنوية فألغت حفلات عشاء عيد الميلاد وعلَّقت ألعاب البيسبول ونقلت حفلات أعياد ميلاد أحبابنا إلى الزوم، وعطَّلت تقويمنا السنوي أكثر من الأسبوعيّ. لم يتوقف الارتباك حيال الأسبوع على نهايته فقط، بل امتد ليشمل كافة أيام الأسبوع.

لم تعكس بكائيات ضبابية الأيام العواقب المباشرة للعمل والتسوق والتواصل الاجتماعي من المنزل فقط، بل وصلت إلى عاداتنا وطريقة تنظيم حياتنا، حيث صار الارتباك الأسبوعي عرضًا جماعيًا دراماتيكيًا (على الأقل بالنسبة لأولئك المحظوظين بما يكفي للحصول على إجازة بأجر كامل أو للعمل من المنزل) ويشبه هذا الأمر أن ينسى شخص ما يوم من أيام الأسبوع كعرض وحيد لفقدان الذاكرة والارتباك الإدراكي.

تخدم الأسابيع في حياتنا بوصفها مثبتات ذاكريّة قوية لأنها بالأساس مفهوم صناعي. وعلى خلاف الأيام والأشهر والسنين التي تعمل بوصفها اختيارات تقريبية لظواهر طبيعية [وتمثل الساعات والدقائق والثواني أجزاءً من تلك الظواهر الطبيعية]، فإنّ الأسابيع لها أساس مختلف عن باقي وحدات قياس الزمن في التاريخ. فأنت عندما تقول إن «اليوم» هو الثلاثاء، فجملتك تتحدث عن شيءٍ ماضٍ بمعزل عن النجوم أو المد أو الطقس. وأنت بذلك تؤكّد أن عددًا مُحددًا من الأيام، محسوبًا بسبعة أيام متتالية، يفصل اليوم عن اللحظات السابقة. ولأن هذا التقسيم ليس مرتبطًا بالفلك أو بانتظام نجميّ، فإن الأسابيع تعتمد في تكوينها على متابعة السجلات التاريخية الدقيقة، أما من الناحية العملية، فإن انتباهنا للأسبوع يتعزز بعادات وطقوس الآخرين، وعندما حُجِبت عنا تلك العادات والطقوس وتغيرت تغييرًا جذريًا في عام 2020، بدا لنا أن فكرتنا عن الأسبوع قد أخذت بالانهيار.

اقرأ مقالة «فتور الجائحة: حالة الإعياء من الإغلاق» لتطلع على أثر الجائحة على الناس وعلى إحساسهم بالطاقة والوقت والعمل.

تبدو هذه الفكرة المُعقدة أصعب في الشرح إذا افترضنا أن الوظيفة الرئيسية للأسبوع هي التقسيم بين وقت العمل والراحة أو للفصل بين المُقدّس والدنيوي. يعد الانقسام بين أيام الأسبوع وعطلة نهاية الأسبوع، بالطبع ، أبرز ميزة في نظام قياس الوقت التقليدي والغريب الذي نعيشه. ولربما يكون الأمر نتيجة لانتشار تقسيم الأسبوع عمليًا إلى سبعة أيام في جميع أنحاء العالم على مدار القرنين الماضيين. لكن للأسابيع وظائف أخرى معنا عدا عن وظيفتها التقسيمية، مثل تحديد الأيام لأغراض متنوعة.

فالأسبوع لدينا ينقسم إلى فئتين مولدًا لنا إيقاعًا متزايدًا طوال عدة أيام إلى أن ينكسر الإيقاع المتواصل بنغمة يومين للراحة. وجاء هذا نتيجة للسبت اليهودي في تاريخ الحسابات الأسبوعية منذ قديم الزمان. ولكن الأسبوع لدينا يُقسّم نفسه إلى سبعة وحدات غير متجانسة في أساسها مثل السلم الموسيقي [دو ري مي فا صول لا سي]، وهو إيقاع ضبط الوقت الفلكي الذي كان بارزًا في الإمبراطورية الرومانية، بحيث قُسِّمت الأيام وفقًا للأجرام السماوية السبعة التي يمكن رؤيتها من الأرض وهي ارتباطات لا زالت لدينا موجودة في أسماء الأيام الأسبوعية في اللغة الإنجليزية وأغلب اللغات الهندو-أوروبية.

في استخدام آخر مألوف للأسبوع، لم يتم تقسيم الأيام السبعة من أي دورة معينة، لا على يومين ولا سبعة، ولكن بدلاً من ذلك، جُمَّعت الأيام معًا لتشكيل وحدة  وقتية متماسكة من الوقت، عادةً من أجل التمييز بين دورة كاملة وأخرى، وبالتالي التمييز بين الأسبوع الحالي عند الأسبوع الماضي وعن الأسبوع القادم. يُمثِّل الأسبوع من هذا المنظور فترة تقييمية لما مضى ولِما وسيأتي، ولهذا تمكَّن من فرض شعبيته بشكل خاص بين أتباع المذهب البيوريتاني وأحفادهم في نيو إنگلاند.

ولا ننسى أيضًا أننا نستخدم الدورة الأسبوعية لتنظيم وتنسيق الفعاليات الجماعية. الأسواق الأسبوعية مثلًا تضمن للتجار والمستهلكين مرور فترة زمنية من سبع أيام بما يسمح لهم بالتقاط الفواكه والخضروات وبيع المنتجات في أوقات مُعينة وتنبأ الحاجة لبيعها/شرائها. ولا يجب أن تكون هذه الدورة متكونة من سبعة أيام، فقد لُوحظ أن شعوب تِڨ Tiv في نيجريا، حتى وقت قريب، لديها 5 أيام في الأسبوع ويطلقون عليه اسم kasóa ويعني السُّوق، ولكن في مجتمع يتبع الأسبوع التقليدي المكون من سبعة أيام ويربط جداول التجمعات العامة بالتقويم الأسبوعي ويعزز هذا التقويم.

شكلت الاستخدامات الأربعة السابقة لأسبوع السبعة أيام تاريخ قياس الأسبوع والذي يبلغ عمره فقط 2000 عام. وعلى الرغم من أن بعض المحظورات وعلوم الكونيات في العديد من الثقافات المختلفة قد علقت على أهمية دورة السبعة أيام قبل ذلك بكثير، فلا وجود لدليل واضح على أن مجتمعًا ما استخدم مثل هذه الدورات لتتبع الوقت في شكل تقويم مشترك قبل نهاية القرن الأول الميلادي. وكما وثق الباحثان إيلاريا بولتريغيني وساشا ستيرن مؤخرًا ، فقد ظهر التقويم الأسبوعي الموحد في  الإمبراطورية الرومانية في سياقٍ خلطَ بين تعداد السبت اليهودي ودورات الكواكب الرومانية. لقد عكس التقويم الأسبوعي منذ لحظة اختراعه اتحاد طرق مختلفة جدًا لحساب الأيام. هذه الحقيقة وحدها تكفي لتلغي افتراض أن الأسابيع لها هدف تقني واحد.


أثر الأميركان في اختراع الأسبوع الحديث

يحمل الأسبوع الحديث في الولايات المتحدة الأميركية في طياته، مثله مثل كل طرق قياس الوقت، البصمة التاريخية للاستخدامات الأربعة لأسبوع السبعة أيَّام، والذي طُبِّق لأول مرة في الأراضي الأميركية على يد الأوروبيين والإفريقيين، وتعزز استخدامه بموجات المهاجرين المتواصلة على مرّ القرون الماضية، إلا أن التشكيل النهائي لما نعرفه اليوم عن الأسبوع وصل إلى شكله الحالي في النصف الأول من القرن التاسع عشر مع تأكيد واضح على نوع الأسبوع الرابع: الجدول الأسبوعي المتباين.

كانت جميع الأنماط الثلاثة الأخرى لضبط الأسبوع راسخة جيدًا في الولايات المتحدة بحلول بداية القرن التاسع عشر. كان المجتمع الأمريكي في فترة ما قبل الحرب سيئ السمعة بين الزوار الأوروبيين لاحتفاله بيوم السبت وانتشرت صورة يوم الأحد بوصفهِ يومًا للراحة انتشارًا غير عادي، حتى بين المستعبدين. كما وبرزت احتفالات أو قداسة أيام الآحاد بشكل واضح في تقويمٍ لم يكن يهتم بالاحتفالات السنوية والأعياد. ظلت الارتباطات الفلكية بالدورة الأسبوعية شائعة جدًا أيضًا خلال تلك الفترة، وحتى أولئك الذين رفضوا الخرافات الشائعة حول أيام الأسبوع السعيدة والمشؤومة غالبًا ما قبلوا الاقتراح القائل إن التقويم المكون من سبعة أيام مرتبط بالقوى الكونية وجزء من نظام الطبيعة. في غضون ذلك، زودت الممارسة البيوريتانية المتمثلة في إجراء الجرد الأسبوعي العديد من الرجال والنساء المتعلمين العاديين في الولايات المتحدة بأداة قوية لتقييم شؤونهم والتخطيط لها وساعدتهم على تصورها خصوصًا مع انتشار ممارسة كتابة المذكرات وقتها.

ترددت أصداء بعض هذه الإيقاعات الأسبوعية القديمة أكثر مع تقدم القرن التاسع عشر، ومع ارتفاع العمالة المأجورة في شمال وغرب الولايات المتحدة، إذ أصبحت ليلة السبت على سبيل المثال،  أكثر من مجرد نهاية لأسبوع العمل؛ لقد كان أيضًا يوم تلقي الدفع، وهو ما أوجد أنماطًا من الاستهلاك والترفيه التجاري والأمن المادي الذي شكل شعورًا مميزًا لكل يوم من الأيام في الدورة الأسبوعية. وتحول السبت نفسه في الولايات المتحدة إلى نصف إجازة على مدار القرن التاسع عشر. لم يعمل المعلمون في أيام السبت ولم يذهب الأطفال إلى المدارس، وكذا كثير من موظفي المكاتب. أما باقي الموظفين، سواء كانوا أحرارًا أم عبيدًا، فقد عملوا لساعات أقل في أيام السبت مقارنة بعملهم باقي أيام الأسبوع. يشيع في أيامنا أن يشيد الناس بنقابات العمال لاختراعها يوميّ الإجازة (الجمعة والسبت في الدول العربية)، ولكن وعلى سبيل الدقة يجب القول إن نقابات العمال كانت قد نجحت في بداية القرن العشرين في المطالبة، نيابة عن كل العمال، بمزايا يوم السبت والتي استفاد منها العمال والقوة العاملة في مختلف القطاعات على مدار القرن السابق للقرن العشرين. زادَت مضاعفة أيام الإجازة من شدة إيقاع الأيام الممتعة خلال الأسبوع مقارنة بالأيام المملة، خصوصًا أن الإجازة وبعدما ثبتت على يوميّ السبت والأحد، أوقفت نزوحها ونزيفها من يوم الأحد إلى يوم الاثنين، وهو ما كان شائعًا في ثقافات العمل ما قبل الصناعيّة.

زادَت مضاعفة أيام الإجازة من شدة إيقاع الأيام الممتعة خلال الأسبوع مقارنة بالأيام المملة.

تنامى الترابط بين كتابة المذكرات والجرد الأسبوعي بوضوح خلال النصف الأول من القرن العشرين وذلك بفعل انتشار الأسواق الكبيرة وطباعة كتب المذكرات المنسقة والتي قسّمت الفترات الزمنية إلى أسابيع على خلاف المذكرات القديمة والتي كانت تقسم الفترات الزمنية إلى أشهرٍ. فرضَ التقويم الجديد تقييم وتقسيم عادات الشخص والتزاماته وإنجازاته على طول الفترة الأسبوعيّة.

ولكن أمرًا أكثر أهمية حصل بالتوازي ودفع نحو تقييد الأسبوع في التقويم، إذ طبَّق الأميركيون هيكلية الأيام السبعة في جدولتهم للأحداث والفعاليات. كانت بعض هذه الجداول متماشية مع نظام العمل، مثل المدارس والتدبير المنزلي، ومع تحول حضور المدارس إلى نشاط اعتيادي في الجنوب الأميركي في بداية القرن العشرين، اعتاد الطلاب توقع الاختبارات والفسحات والفصول الخاصة في أيام الأسبوع. ومع انتشار قيم النظافة الشخصية في أواسط الطبقة الوسطى وداخل منازلهم انتشرت العديد من المنشورات الدليلية  التي بدأت بوصف الجدول الأسبوع للتدبير المنزلي: الغسيل يوم الاثنين والكي يوم الثلاثاء والخبيز يوم الأربعاء.

وربَّما واحد من أهم الأماكن التي فُعل فيها الجدول الأسبوعي بخلاف العمل كانَ في مساحات الترفيه التجاري والنقابات التطوعية والثقافة المطبوعة. خلال النصف الأول من القرن العشرين، كان كثير من السكان في الغرب والشمال الأميركي يلجؤون بهدف التفريغ وتمضية الوقت إلى صالات السينما والمحافل الأخوية والمنظمات الإصلاحية ولحضور المحاضرات والمهرجانات الغنائية وعبر الاشتراك في الصحف. ارتبطت حياة الناس أيضًا بتزايد مع حركة البنوك والتي كانت تعطي الأوراق النقدية للناس في أيام محددة من الأسبوع، كما ارتبطت حياتهم أيضًا بإرسال واستقبال الرسائل، والتي كانت في بعض المناطق تُستقبل وتُستلم في يوم محدد من الأسبوع. كان لزامًا على الناس الالتزام بالأيام المنوطة بتلك الوظائف للاستفادة منها. وكلما زاد التزام الناشرين والمؤسسات الترفيهية والصحف بالجدول الأسبوعي لما يقدمونه، زاد تعزيز التقويم الأسبوعي وصار واقعًا مفروضًا أكثر.

كان اختيار الوظيفة المنوطة بكل يوم من أيام الأسبوع في البداية عشوائيًا بالنسبة لأعضاء المحافل الأخوية الذين اعتادوا الالتقاء في الثلاثاء الثاني من كل شهر مثلًا أو بالنسبة للطلاب الذين اعتادوا تلقي دروس البيانو في أيام الاثنين والأربعاء وبالنسبة لمدراء صالات السينما الذين اعتادوا تخطيط العروض الصباحية يوم الأربعاء وحتى بالنسبة للأصدقاء الذين حاولوا بأفضل ما عندهم ألا يمر الخميس دون زيارة الاجتماعية. ولكن ومع تشكل العادات صارت تلك الارتباطات تترك أثرها على الأفراد وعلى إحساسهم بالدورة الأسبوعية، ولا ننسى أن هذه الجداول الأسبوعية أخذت تعيد إنتاج نفسها بنفسها، ومع ازدياد عدد الاجتماعات والمواعيد والعادات المرتبطة بالأيام، صار إجبار أو تعويد الغرباء والآخرين على هذه الجداول وهذا التقويم الأسبوعي أكثر راحةً للناس. تقبل الأصدقاء والعائلات حقيقة أنهم جميعًا ينشغلون بوظائف متنوعة ومختلفة طوال أيام الأسبوع وحقيقة أن اللقاء بينهم صار يتحدد باليوم والساعة في الجدول الأسبوعي. سمح ربط أيام الأسبوع بنشاطات معينة في القرن العشرين للأميركيين بتنسيق وتذكر  وجدولة نشاطاتهم في التقويم الأسبوع الممتد.

عكس (وعزز) استخدام التقويم الأسبوعي بوصفه أداة لجدولة النشاطات صورة الحياة الحضرية وصفاتها، وكان استخدامه تحولًا كبيرًا للرجال والنساء الأحرار، سواء المهاجرين أو المولودين في أميركا، في المدن في بداية عشرينيات القرن التاسع عشر ، ويصف بوضوح الاستخدام التاريخي للأسبوع الأميركي الحديث بكثافة لتنظيم الفعاليات الاجتماعية. كان الأمر مختلفًا للناس الذين يعيشون في القرى الصغيرة  والمزارع لأنهم كانوا يَخبرون عددًا أقل من الوظائف التي تميز أي يومٍ في الأسبوع عن آخر. ولكنهم أيضًا صاروا لاحقًا يترقبون البريد الأسبوعي وتقسيم قراءات الصحف التي يتلقونها مرة كل سبع أيام أو مذاكرة جداول القطارات أو أوقات مرور عربات الأحصنة المنتظمة. نتيجة لكل هذا، ضبط أجيال من الشعب الأميركي أنفسهم على هذا الإيقاع الأسبوعي الذي كان له أثرًا سلبيًا في حياة أسلافهم.

أعطت الارتباطات المتزايدة بالجدول الأسبوعي للجماهير نشاطات وفعاليات يقومون بها في كل يوم من أيام الأسبوع، ووهبتهم السبب ليأبهوا حيال يومهم ما إذا كان أربعاءً أو خميسًا، وكانت إحدى التبعات الفريدة لهذه العادات والارتباطات الجديدة أن تغيرت الخرائط الذهنية للجماهير في بداية القرن العشرين بطريقة دفعتهم لاعتماد التقويم الأسبوعي بديلًا لكل طرق قياس الوقت حينها. ونلمس هذا التغير في المذكرات التي كتبوها، حيث كانوا يكتبون اسم اليوم على رأس كل صفحة ، وأظهرت تلك المذكرات أيضًا ميل الناس إلى الإخطاء في تحديد التاريخ وليس اليوم. يمكننا أن نلمح هذه الخرائط الذهنية الجديدة بالطريقة التي يتذكر بها شهود المحاكمات بثقة ودقة أكبر بكثير يوم الأسبوع  على عكس تذكرهم لتاريخ الشهر، فعند وقوع حدثٍ ما، غالبًا ما يستشهدون بعادة أو ممارسة أسبوعية منتظمة كأساس لترتيب ذكرياتهم، ويمكننا لمحها أيضًا في ميل المراسلين لاستخدام التقويم الأسبوعي لسرد التطورات في حياتهم.

ونلاحظ الآن مدى هيمنة الأسبوع على ذاكرة الإنسان في حالة فقدان الأهل لابنهم فهم يتذكرون يوم وفاته أكثر مما يتذكرون التاريخ الدقيق. وبمقدورنا ملاحظة هذا التحول في الاستدعاء المتكرر والذي صار تقليدًا خلال القرن التاسع عشر للحزنِ على المرور السريع للزمن عبر الأسبوع وليس عبر وحدات قياس الوقت الطبيعية مثل اليوم أو السنة، على الرغم من أن استخدام الأسبوع كان قد وجد من أجل وظيفة الجرد ولقياس وحدات الوقت الأخرى. صار الأسبوع بالنسبة للأميركيين في القرن التاسع عشر أداة ذاكريّة (أو أداة مساعدة في تقوية الذاكرة) وإطارًا للتفكير في حركة الوقت.

للاطلاع على مفهوم أدوات قياس الوقت الطبيعي والوقت الاستعماري: اقرأ مقالة طُغيان الوقت هنا.

صار الاستخدام الأسبوع والوعي بهِ أقوى من أي وقت مضى، حتى عند أولئك غير المتدينين، خصوصًا ارتباط فكرة الأيام السبعة للخلق الإلهي للعالم، ورأوا فائدة في استخدام الأسبوع كأداة لضبط الوقت القابل الاستهلاك. صار بعدها من الصعب تخيل العالم بدون دورات مدتها سبعة أيام.  على سبيل المثال، حافظ الأدب الطوباوي والديستوبي في أواخر القرن التاسع عشر على فكرة الأسابيع كما هي في رؤيتهم للمجتمعات المستقبلية المختلفة جذريًا. وواجهت كل الحركات الساعية لتعديل التقويم الأسبوعي مقاومة شديدة. شجعت الشركات الأميركية التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر خطط إصلاح التقويم المصممة للقضاء على أوجه القصور في إدارة الحسابات التي تسببها دورة الأيام السبعة المتمردة (الوحدة الوحيدة لضبط الوقت التي لا تتناسب بدقة مع دورة أكبر). اعترض المخططون الاقتصاديون السوفييت بعد ذلك بوقت قصير على الطريقة التي منعت بها عطلة نهاية الأسبوع المنسقة الإنتاج المستمر للمصانع وأدخلوا أسابيع عمل أقصر وخصصوا شرائح مختلفة من السكان للعمل في جداول أسبوعية مختلفة، ولكن كل هذه الخطط باءت بالفشل الذريع.

تقويم يهودي باسم Omer Calendar لعد أيام الأسبوع بعد يوم السبت

طفقَ التقويم الأسبوعي غير المنقطع والمنسق في غزو العالم خلال القرن العشرين وفي تنظيم الحياة في المجتمعات والمناطق التي لم تتبع الوقت في وحدات من سبعة أيام.

وبدلاً من إفساح المجال للمطالب العقلانية للرأسمالية أو الشيوعية ، طفقَ التقويم الأسبوعي غير المنقطع والمنسق في غزو العالم خلال القرن العشرين وفي تنظيم الحياة في المجتمعات والمناطق التي لم تتبع الوقت في وحدات من سبعة أيام. امتد أسبوع السبعة أيام في جزء كبير من تاريخه الطويل على طول مسارات الفتح والتجارة والدعوة والتبشير التي صاغتها الأديان مثل الإسلام والمسيحية. أوصل التوسع الإسلامي والمسيحي من شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بدورة الأيام السبعة كما نعرفها إلى كثير من أنحاء العالم (بما في ذلك إفريقيا والدول الاسكندنافية والأميركيتين وأوقيانوسيا وآسيا الوسطى وإندونيسيا وجنوب المحيط الهادئ) في وقت ما على مدار فترة الألفية الثانية ولكن في نهاية تلك الألفية الثانية تمامًا تمتع الأسبوع بمقدرته العالميّة. ساهمت العديد من العوامل في انتشار الأسبوع مؤخرًا نسبيًا إلى أماكن (مثل شرق آسيا) لم يسبق لها أن أحصت دورات أسبوعية من سبعة أيام. يعكس الانتشار العالمي لهذا الأسبوع الجديد الترابط المتزايد بين الأغلبية الريفية في العالم والدوائر الاقتصادية الرأسمالية والدول الاستعمارية الموحدة وشبكات النقل الموسعة، والتي فرضت على السكان الأصليين تقاويم لم يتصلوا بها مسبقًا.

يعكس الانتشار العالمي للأسبوع الجديد الترابط المتزايد بين الأغلبية الريفية في العالم والدوائر الاقتصادية الرأسمالية والدول الاستعمارية الموحدة وشبكات النقل الموسعة، والتي فرضت على السكان الأصليين تقاويم لم يتصلوا بها مسبقًا.

كما ساهمت الحركة الصناعية في توطيد التقويم الأسبوعي في الولايات المتحدة وحول العالم، وذلك من خلال التمييز بين وقت العمل والفراغ الدورة بينهما، حيث أخذت الحركة الصناعية بالوحدة الوقتية التي تتلاءم بوضوح مع استمرارية عملها، ولكن المنطق الصناعي للأسبوع يطمس الفروقات بين أيام الأسبوع وهو ما كان حيويًا في ظهور وحدة الأسبوع كمرساة زمنية. ما يعطي الجدول الأسبوعي الحديث عند الناس قيمته وتباينه هو الأنشطة المحددة مثل الفصول الدراسية والاجتماعات ورياضات المتفرجين والترفيه الإذاعي/التلفزيوني وترتيبات الحضانة، وليس  الاحتفال بيوم السبت أو عطلة نهاية الأسبوع، وهو ما يساعد الناس على معرفة مكانهم في الدورة الأسبوعية.

لقدى طغى الأسبوع الحديث فوق الأسبوع القديم بإيقاعٍ اجتماعيٍ في أساسهِ، إيقاع يتضمن وعيًا بمتطلبات وقيود الأفراد الآخرين في المجتمع، ولكن الأسبوع الحديث في الوقت نفسه يحمل طابعًا فرديًا إلى درجة ما، إذ يتشكل من خلال جميع القرارات الخاصة التي نتخذها بوصفنا مستهلكين. وبينما يُخضع النظام الأسبوعي الذي يُحسب بناءً على يوم السبت ووحدات قياس الوقت الفلكية الأخرى الجميع بنظام واحدٍ، يجعلنا الأسبوع الحديث مُدركين بعلاقتنا بشبكاتنا وبعادات الآخرين، ويسلط في الآن نفسه الضوء على تنوع شبكاتنا وعلى عارضية عاداتنا.

أخذ العديد من المعلقين الثقافيين في التحسر في بداية القرن الحادي والعشرين على تفكك الأسبوع كنتيجة لعادات العمل غير المتزامنة في مواجهة الحياة التجارية المتوحشة والمستمرة والتي نتعرف عليها بشكل واضح مع ازدياد استخدام الأرقام  «24 / 7». ولكن في الوقت نفسه رحب كثير من النقاد الآخرين بزوال الأسبوع، وذكرونا أن دورة الأيام السبعة في النهاية دورة مصطنعة تمامًا وأن انتشارها العالمي حديث نسبيًا. «تذكر فحسب»، كما أوضح إريك جاروسينسكي ما يريده بذكاء على تويتر في عام 2018 ، «أن يوم الثلاثاء طالما كان وسيبقى تجربة اجتماعية فاشلة».

المشهد من مسلسل ساينفلد، ويظهر كيف أن يوم الثلاثاء لا شيء مميز بهِ ولا شعور بهِ يختلف عن غيره من الأيام.

يعتبر يوم الثلاثاء الحديث، من بعض النواحي العميقة، تجربة اجتماعية. ولكن ما إذا كانت قد فشلت – أو ما إذا كان “سيبقى فاشلًا دائمًا” – فهذا أمر غير مؤكد. أشارت الشكاوى المتعلقة بالارتباك الزمني في أثناء جائحة كوفيد-19 إلى أن الأسبوع عبارة عن بنية هشة وأن العادات العقلية التي تشكلت حول إيقاعاته الاصطناعية يصعب التخلص منها ومن المؤلم خسارتها. حتى بعد عقود من التعرض لمطالب الرأسمالية 24/7 وعوامل تمكينها في وسائل الإعلام الجديد، شعرنا بالارتباك بسبب الضبابية المفاجئة في أيام الثلاثاء. أدى وعينا غير الواضح بالأسبوع وأثره علينا في أثناء الإغلاق (كوفيد-19) إلى دفعنا نحو هاجس فقدان الذاكرة وفقدان أجزاءً من الوقت، وهذا الهاجس، مثله مثل العادات الاجتماعية التي تبعده، جزءٌ من تجربة الحياة في العصور الحديثة.

من المُترجم: يتحدث الكاتب عن يوم الثلاثاء خصوصًا لأنه في وسط الأسبوع الغربي، ويعاني الناس عادة في إضفاء أي صفة مميزة وتمييزية لهذا اليوم بالتحديد، وقد تحدثت دراسات أخرى عن أن الشعور مرتبط بأيام العمل المتوسطة عمومًا مثل الثلاثاء والأربعاء في الثقافة الغربية مقابل الاثنين والثلاثاء في الثقافة الإسلامية، ولا يجد الناس أي مشاكل في تذكر يوم الاثنين (أول يوم عمل في الغرب) أو يوم الأحد (أول يوم عمل في أغلب الدول العربية). لقراءة الدراسة على اضغط على هذا الرابط.

في أي يومٍ نحن؟ أمزح فقط 😗😂. انتظروا المقالة القادمة عن «اختراع إجازة نهاية الأسبوع» ضمن سلسلة طغيان الوقت.

مصدر المقالة المُترجمة

رأي واحد حول “اختراع الأسبوع – سلسلة طُغيان الوقت

أضِف تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s