جسدي قفص – نص

نصٌ من 18 يناير/كانون الثاني 2021.

بقدر سوء حظّي في اختياري لمن حولي، إلا أني أكاد أكون الأكثر حظًّا بأصدقائي الذين ربطتني معاهم تجارب مشابهة عشناها في سياقات مُختلفة، ولم نكن ندري أننا عشناها، إلا عندما اقتربنا من بعضنا دون أن ندري السبب. نعم، الكلمة هي محظوظ. لي أصدقاءٌ لم أرهم يومًا، ولكني أتجه إليهم عزاءً وفرحًا، حُزنًا وشوقًا، فِكرًا وقلبًا، نتحدّث في العام مرةً أو مرتين، ونتبادل الرسائل الطَويلة عبر البريد الإلكتروني. سمها صداقة حقيقية أو أدبية إن شئتَ، لن نختلف كثيرًا على المُسميّات.
كنتُ أتحدث وزياد التغلبي، صديقي السُوري الذي عرفته عبر الفيسبوك قبل سنوات، مُحادثة فيديو. بدأناها بالاطمئنان على بعضنا والسؤال عن آخر الأخبار والأفكار والحياة والعمل والعلاقات. تحدثنا عن الرسائل فيما بيننا، وعن انشغالنا الحاد عن بعضنا. في غمرةِ حوارنا، بدأت الحديث شخصيًا عن محاولة البقاء -جيدًا- وعن الاستمرار دون التحول إلى وحش قاتل. عن الحاجة إلى الكتابة. عن الحاجة إلى التقمص الوجداني empathy، وعن الشعور الفائض بالآخر أحيانًا أكثر من الذات. إلى أن وصلتُ إلى مرحلةٍ في الشرح، لم أكن قبل قادرًا على التلفظ بها أو الكتابة عنها. وهي المرحلة التي يخذلك فيها جسدكَ. مررتُ بهذا الخذلان مُسبقًا قبل أربعة أعوام، وعايشته مؤخرًا في شهري أكتوبر ونوفمبر. في تلك اللحظة التي تشعر فيها أنك تريد فِعل كل شيء، أن تخرج من عقلك حتّى من فرط الطاقة، ولكن وفي الوقتِ نفسهِ، تشعرُ أن جسدك يقاومك. جسدك الفاني، مُتعبٌ، أو يُتعبك. جسدك المُبتئس. يصحو صباحًا قبل أن يتشبع نومًا، وينام متأخرًا رغم إنهاكه. دماغك المُهترئة عملًا ولفًا، إلا أنها لا تتوقف عن التفكير البائس والباعث على الابتئاس. تجد طاقتك تموت في محاولة إنعاش الجسد. يخطر على بالك كتابة نصٍ، والعتبة في بالك جاهزة، إلا أن الرأس والجسد لا يساعدان. تريد أن تزور أصدقاءك وأن تخرج من بيتك، ولكن الجسد يخذلك في كرهه للتحرك. تُريد العوم في الماء، ولكن جسدك لا يتوقف عن التشنج. ضغطٌ من الأعلى، وضغطٌ من الأسفل، كأنك قد نزلت آلاف الفراسخ في أعماق المحيط. جسدك المُهترئ يكاد يتفجر، وطاقتك تذوي. يخذلك الجسد، يضمر الجسد، يتعب العقل، تموت النفسَ فيكَ، ولكنك تقاوم. وتقاوم. إلى أن تستعيد جسدك ثانيةً، ولكنه سُرعانَ ما يخذلك مُجددًا. تريد أن تكون حُرًّا منه. أقول لزياد كل هذا، فيذكّرني بأغنية من مُسلسل هاوس، «جسدي قفص»ٌ، يحبسني، يُقيدني، يلزمني بالأكل والشرب والنومِ، وأنا الذي أشعر أن حياتي قصيرة للغاية، وأنّ لدي الكثير من الأمور التي لم أجربها بعد. لم أكتب كل القصص بداخلي. ثمة نصٌ عالق في رأسي منذ أكثر من تسعِ سنوات. أتذكر عتبته. أعرف فكرته. يقفز إليّ في كُل لحظةٍ، ولكني لا أقوى على كتابتهِ. أكتب بحثًا، وأكتب عملًا، ولكني حينما آتي لأكتب نصًّا لي، ترتفع يافطة في داخلي، «انتهى الدوام». صار الجسد مؤسسة بيروقراطية مُترهلة في عصر الاستهلاك، ومحكوم بالحياة فيها. يبدأ عمله صباحًا، وينتهي عصرًا، ولا ساعات عملٍ غيرها. إذا صحوت متأخرًا، فقدت ساعات العمل، وعليك المحاولة في يوم آخر. فعلًا، جسدي قفصٌ، يأسرني. قفصٌ، لستُ أكرهه، ولكني أكره خذلانه المُتواصل لي. جسدٌ يملكني، ولستُ أملكه، وهنا مكمن الكابوس. جزءٌ منكَ، لا تقوى على التحكم فيهِ. يخذلك. يُفرحكَ. يتعبك. وعندما يموت، تموت، ولا تعرف كيف. أهو الوعاء؟ أهو الوجود؟ أهو التجسد؟ ما هو؟ في النهاية أتذكر نصًّا كتبته في السنوات الغابرة، لسنا إلا كومة ذكريات تمشي على الأرض.

في هذه اللقطة فقط، يعني أن تتصالح مع جنونك.
من أجمل المشاهد في كامل مسلسل د. هاوس.
House S7E16

اعتبرها رسالة أخرى يا زياد، وأنا الذي لأكتب هذا النص، لعنتُ نفسي الآن بليل طويلٍ دون نوم. لأني وكما قلتُ، يخذلني جسدي، إذ وكلما كتبتُ نصًّا، أصابتني حالة من فرط نشاطٍ لا يمكنني السيطرة عليه، ولا يمكنني حتى دفعه للنوم، فيبقيني مُنهكًا، مُتعبًا، نعسًا، غير قادرٍ على النومِ، وفي الآن نفسهِ، دون أية فائدة.
صديقي زياد، جسدي قفصٌ، ولكني لستُ عصفورًا.. حين يفتح الباب، لا أطير، وإنما أموت. وحسب هذه الصُورة، وكثير من الصُور المبتذلة، سيكون الخروج من القفص، حرية، ولكني لستُ متأكدًا، إن كان راحة.

متاحف المتروبول: السارق يعيد تعريف المنهوبات

في كتاب الاستشراق، يتناول إدوارد سَعيد اقتباسًا لبلفور، يتحدث عن شرعية بقاء الإمبراطورية البريطانية في مصر: “إننا نعرف حضارة مصر أكثر من معرفتنا حضارة أي بلد آخر. إننا نعرفها قديمًا، إننا نعرفها معرفة حميمية، ونعرف أكثر عن مرحلة ما قبل التاريخ، في وقت تجاوزت فيه الحضارة المصرية ذروتها”. ويتذرّع هنا أن الدافع لبقائه في مصر هو المعرفة بها، ويزيد عليها بأنهم يعرفون مصر أكثر مما يعرفون إنكلترا.

إذن، فإن الذَريعة للهيمنة على الآخر، هي المعرفة به، وهنا المعرفة سابقة وشرط للهيمنة المُدّعاة. هذه هي الادعاءات نفسها التي ساقتها دول الاستعمار على مدار عدة قرون لنهب ثروات البلاد الأخرى وجهودها. وفي حالة مصر، وكثير من الدول ذات الحضارات العريقة، استخدموا ذريعة “نعرفها أكثر مما نعرف أنفسنا” لسرقة آثارها، لتكون المعرفة بالشيء هُنا شرطًا ضَروريًّا لفرض الرأي والسرقة، ولكن تحت مُسميات أخرى مثل “الحماية” أو “الحفظ” أو “الصون”، وغيرها من المُصطلحات التي تحمل في طياتها ذلك الغرور الاستعماري “المُتحضّر” الذي ينقذ الناس في المُستعمرات من “تخلفهم”.

متابعة قراءة “متاحف المتروبول: السارق يعيد تعريف المنهوبات”

السياسة الأميركية دراميًا… الإرهاب داخل البيت الأبيض

يتحدث مواطنٌ، بقلق، إلى وزير الدفاع الأميركي في مسلسل “بيرسون أوف إنترست” Person of Interest، ويخبره بأنهم في سعيهم لحفظ “أمن المواطن”، اخترقوا خصوصيته، ودمروها، وجردوه من كل مساحاته الخاصّة.

يردّ وزير الدفاع في هذه اللحظة: “الناس يريدوننا أن نحميهم، ولكنهم لا يريدون أن يعرفوا كيف نفعل ذلك”، في تبريره لما تفعله أجهزة الدولة دائمًا، وما فعلته الولايات المتحدة، خصوصًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، وتوقيع الرئيس الأميركي جورج بوش آنذاك قانون الـ Patriot Act أو Providing Appropriate Tools Required to Intercept and Obstruct Terrorism.

يُترجم هذا القانون، أحيانًا، حرفيًا إلى “قانون الوطنية”، أو إلى قانون مُكافحة الإرهاب، وهو قانون خاص بتسهيل إجراءات التحقيقات والوسائل اللازمة لمكافحة الإرهاب، مثل إعطاء أجهزة الشرطة صلاحيات من شأنها الاطلاع على المقتنيات الشخصية للأفراد ومراقبة اتصالاتهم والتنصت على مكالماتهم بغرض الكشف عن المؤامرات الإرهابية. هذه الصلاحيات نفسها سمحت لاحقًا بازدياد مقدار عنف أجهزة الدولة تجاه غير المواطنين والمواطنين كذلك، فارتفعت معدّلات عنف الشرطة تجاه الشعب “للاشتباه” بأحدهم بالاعتماد على لون بشرته أو لغته، أو حتى لهجة الحديث الإنكليزية لديه.

متابعة قراءة “السياسة الأميركية دراميًا… الإرهاب داخل البيت الأبيض”

الشرطة في الدراما الأميركية: قمع في الداخل والخارج

بعد قتل أحد عناصر الشرطة الأميركية جورج فلويد في الخامس والعشرين من مايو/ أيار، انطلقت مسيرات هائلة في كل أنحاء الولايات المُتحدة، مُنددة بالجريمة، ومطالبة بحل جهاز الشرطة ومحاسبة المسؤولين، وأن يتم إيقاف العنصرية المُمنهجة ضد السُود في أميركا. كانت أيضًا من ضمن المطالبات، عودة الشرطة إلى دورها الطبيعي في حماية الناس.
مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا، وبداية انتقال الناس إلى حياة المُدن، كانت هُناك حاجة إلى جسدٍ أو شخصٍ ليحافظ أو يحمي حياة الناس من السرقات وغيرها، وعادة ما يكون هذا الشخص من المدينة/ القرية نفسها، ويُدفع له من السكّان أنفسهم مُباشرة. في بعض الأحيان، كان فتوّة الحيّ، هو من يحميه، وذلك عن طريق أخذ نوعٍ من «الإتاوة» من الناس مقابل حمايتهم. لكن ومع تَسارع الحياة، وازدياد الهجرة إلى المدن من الأماكن البعيدة، بدأ نوعٌ من غياب الألفة، وانقطاع في العلاقات بين الحكام والمحكومين، ما جعلهم يخافون على مصالحهم، خصوصًا من الطبقة العاملة.
وبهذا، وفي نهاية القرن الثامن عشر، تأسس أول مركز شرطة في بوسطن، ولاحقًا في كثير من الولايات المُتحدّة الأميركيّة. عند النظر إلى الأمر من هذه الناحية، فإن الوظيفة التي تأسست لأجلها الشرطة، ليست خدمة الناس وحمايتهم، بل هم أدوات إنفاذ للقانون، اختيروا لحماية مصالح الأثرياء، وحراسة البروليتاريا خوفًا من أي أمر قد يَصْدر منهم.

متابعة قراءة “الشرطة في الدراما الأميركية: قمع في الداخل والخارج”

الحفلات المباشرة: سحر العروض الحية

عند الحديث عن حضورِ حدثٍ مُباشرٍ ما، يطرح الناس الكثير من الأسئلة. لماذا يدفع الناس لحضور مُباراة كرة قدم مُباشرة، طالما بإمكانهم مشاهدتها عبر الإنترنت أو الفضائيات المتخصصة؟ لماذا يصر البعض على الذهاب إلى حفلة موسيقية ويدفعون الكثير من الأموال في حين يمكنهم تحميل الموسيقى والاستماع إليها بالمجان عبر أي تطبيق أو جهاز؟
لا بدّ من وجودِ أمرٍ سحريّ يجعل هذه الصناعة في ازدهار دائمٍ. أمر يدفع الناس للشراء والحضور إلى أماكن مكتظة غالبًا. أماكن مليئة بالأصوات الصاخبة والإضاءة والضجيج. هل السحريّ في هذه الأماكن هو الحضور فقط؟ أم أنّ الحفلات المُباشرة تحمل تأثيرًا آخر؟

متابعة قراءة “الحفلات المباشرة: سحر العروض الحية”

“فريندز” وصحوة هوليوود… فخ الصوابية السياسية

انطلق عرض مسلسل “فريندز” Friends على قناة “أن بي سي” NBC في سبتمبر/أيلول من عام 1994، وانتهى في مايو/أيار من عام 2004، على خُطى مُسلسل “ساينفيلد” Seinfeld، وتاركًا وراءه إرث عشر سنوات مع جيل التسعينيات والأجيال اللاحقة؛ إرث تلفزيوني كبير، وأرباح هائلة لممثليه، الذين وصلت أجورهم إلى مليون دولار لكل ممثل مقابل كل حلقة في الموسم الأخير. بعد انتهاء المُسلسل، استمرت الأرباح بالتدفق عبر بيع الأشرطة ثم الأسطوانات، لكن مع عصر شركات البث، كان لا بد لهذا العمل، أن يكون على إحداها.
في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2015، بدأت شبكة “نتفليكس” بعرض مسلسل Friends لأول مرة، وبعد ثلاثةِ أعوام، شكّل العمل 4% من إجمالي ساعات المُشاهدة للجمهور في 2018. عُندما سُئِل المخرج وصانع الأفلام، تود فيليبس، عن تحوله من صناعة أفلام الكوميديا مثل The Hangover إلى أفلام مثل Joker، أجابَ مُهاجمًا التيارات السياسية المُتحاربة وتيارات الصوابية السياسية في الولايات المتحدة الأميركية والعالم، وقال إن مثل هذه التيارات وتيار Woke جعل الوسط السينمائي والفني حسّاسًا للغاية، فلا يكاد يكتب المخرج أو الفنان الكوميدي نصًّا، حتى تجد هجومًا عليه.

متابعة قراءة ““فريندز” وصحوة هوليوود… فخ الصوابية السياسية”

بيولوجيا معطوبة: الإنسان بمسرّاته الإلكترونية

عند الحديث عن التطور، فإن أول سؤال يتبادر إلى السّامع: “لماذا صارت وتيرة التطور مع البشر بطيئة، أم أنها توقفّت؟”. والإجابة ليست صعبة، فهذا حصل لسببين، أولهما “الإبهام المُعاكس”، الذي يتحرك بحرية وفي كل مكان، ويمكنه ملامسة باقي الأصابع في اليد من أولها وحتى آخرها، وهو ما أعطانا ميزة تطورية للإمساك بالأشياء والتعامل معها، بدءاً من الإنسان الأول في غابات السافانا العشبية، وحتى إنسان العصر الحديث مع الأجهزة الذكية. تخيّل كيف ستكون حياتك مع “آيفون” من دون الإبهام؟ السبب الثاني، هو تطور الوظيفة العقلية/ العقلانية عند البشر. وهذا، مع السبب الأول، جعل تطور الإنسان خارجه بدلاً من داخلهِ، فصرنا نصنع الملابس الشتوية بدلاً من الفرو، والأسلحة بدلاً من الأنياب والأظفار الحادّة والأكل عبر الزراعة والتخزين، بدلاً من الصيد الدائِم.
نُلاحِظ أن الإنسان، ومن لحظةِ وعيه بمكانه في الطبيعة، بدأ بالهرب من حقيقته أو من صفته “الحيوانية” في الطبيعة، ليضع نفسه في مكانٍ أعلى. فهو متفوق عليها قطعاً، لأنه يستطيع أن يروضها كلها، وما لا يروضه، يأكله، وما لا يأكله، يستخدمه في الألعاب. بقي صراع البشر مع مكانهم في الطبيعة ومع جسمهم موجوداً، وتطور مع مرّ الزمنْ. صارت هُناك الفلسفة التفوقية لاحقاً، وعقلية أن الإنسان بوظائفه الذهنية يتسامى على هذا الوجود، وأنه يسعى بتفوقه إلى تحقيق الخير والعدالة تصل للمثالية، ولكن العائق الوحيد، هو العقل الغريزي الحيواني نفسه.
في أحد أفلام جيمي نيوترون (2001)، يواجه جيمي نوعاً فضائياً متطوراً للدرجة التي دفعته إلى التخلي عن الوظائف البيولوجية لأجسادهم، ودمج أنفسهم في آلات (سايبورغ)، لتكون عندهم فقط الوظيفة العقلية هي الفعّالة من دون اللجوء إلى وظائف الجسد (الأكل/ الشرب/ قضاء الحاجة/ الجنس)، وهي رغبة بشرية “ترانسدنتالية”، ولكنها في الوقت نفسه، تخالف الغرائز الأساسية فينا. كيف سنتكاثر؟ ماذا عن المتعة الجنسية؟

متابعة قراءة “بيولوجيا معطوبة: الإنسان بمسرّاته الإلكترونية”

كيف تكتب كِتابًا: نصائح من كُتّابٍ مشهورين

ترجمة: أنس سمحان

طالما كان تأليف كتابٍ يتصدر قوائم البيع على قائمة قرارات السنة الجديدة لدينا جنبًا إلى جنب مع تخفيف الوزن، ولكن لو كنت قد قررت أن تبدأ في كتابة روايتك في شهر يناير/كانون الثاني، فعليك أن تطّلع أولًا على الأشياء التي ساعدت أشهر المؤلفين في الماضي أو على الأقل أن تتجنب الحماقات بهذا الخصوص عند البدء.

  • اخلق روتينًا والتزمِ بهِ:

اكتب في الصباح الباكر أو في الآخر الليل، فلا يهم متى تكتب. المهم أن تكتب عندما تكون في ذروة انتاجيتك، ثم التزم بجدول الكتابة الذي وضعته لنفسك.

بالنسبة لكتّاب مثل ليو تولستوي وجين أوستن وإرنست همنگواي وكورت فونيگوت، فقد كانوا يستيقظون مُبكرًا عند الفجرِ ويبدؤون الكتابةَ حتى وقت الغداء ثم يسترخون ويتفرغون للقيام بالأعمال أخرى مثل التحرير بقية اليوم… أو في حالة همنغواي فإنه كان يتفرّغ للشرب.

وكان لدى جاك كيروك أسلوب حياة معاكس للكتّاب أعلاه، فكان لا يستيقظ من نومهِ إلا بعد الظهر ثم يستمر في الكتابة من منتصف الليل إلى طلوع الفجر. فرانز كافكا وچوزيف هيلر كانا يعمل بدوام كامل كوكيلا تأمين مما اضطرهما أيضا للكتابة ليلًا.

متابعة قراءة “كيف تكتب كِتابًا: نصائح من كُتّابٍ مشهورين”

كثيرو الاعتذار… ضحايا لم ينتحروا

نعيش في عالم متغيّر، والدهر قُلّب. نعيش في أسرٍ مُتفككة، وعلاقات اجتماعية لا تتجاوز سنًا يستحق الاحتفال بهِ. نعيش في ظل حروب عسكرية، وحروب نفسيّة. فقر وقمع واضطهاد في كل مكان. قمعٌ في الشارع، وقمع في الجامعة وقمع في المدرسة وقمعٌ في البيت. كل هذا، يظهر أثره على الفرد، ثم على المُجتمع. كلنا قابلنا في حياتنا أشخاص لا «يُخطؤون» ولا يعتذرون البتّة. وكلنا قابلنا أشخاصًا أحببناهم لأن اعتذاراتهم كانتْ من القلب، وكلنا نُحب حتّى الاعتذارات المؤدبة عن بعض الأمور التي لا تعد أخطاءً. بعد كل هذا، يمكننا أن نقف جميعًا لحظةً وأن نتذكر ذلك الشخص الذي نجده يعتذر قبل أن يبدأ الحديث، ويعتذر في منتصف حديثه مليون مرة، ويعتذر بعد حديثه خوفًا من الإزعاج. هذا الكائِن الذي يخاف أن يكون ثقيلًا أو تشويشًا، والذي يخاف أن يتعدى حدوده مع الأشخاص الذين يحبهم قبل غيرهم. هذا الشخص الذي يجب أن نحتمله أكثر من غيرهِ. هذا الشخص الذي سأتحدث عنه في هذه المقالة.

الاعتذار أمر طبيعي للغاية حين التعود عليهِ، ولكن الاعتذار المُتكرر على كل صغيرة وكبيرة بل يكاد يصل أحيانًا لـ «الاعتذار عن الوجود» حسب البروفيسورة في علم النفس بيج كرامبيو، وتقول إن هذا الأمر قد يكون أثرًا للصدمات Traumas، وعليهِ قد تكون تقنية للحفاظ على الذات يستخدمها الناجون ظنًّا منهم أنها تفيدهم في حماية أنفسهم. الصدمات التي تتحدث عنها البروفيسورة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات العاطفية والعائلية، حيث يشعر الشخص في أثناء الحدث الصادم أن عليهِ الاعتذار المُتكرر لإرضاء الطرف الآخر، ولكن غالبًا تنتهي مثل هذه العلاقات نهايات مأساوية، حتى في حالة العائلة، إذ تنطوي على حقد أو عدم قدرة على التصالح.

متابعة قراءة “كثيرو الاعتذار… ضحايا لم ينتحروا”

نهاية العالم… كيف سنغنّي الأفول الكبير؟

في كتابهِ “الأسلوب المُتأخّر”، يتحدث إدوارد سعيد عن المرحلة المتأخرة من حياة بعض العازفين الموسيقيين والمؤلفين، لافتًا إلى أن وعي الشخص بنهايته الحتمية/موته، يؤثر على كتابتهِ أو أسلوبه، وهو سبب تسمية الكتاب.
من وجهة نظر سعيد، فإن إدراك الموت، إما عبر المرض أو التقدّم في السن، يدفع بالشخص إلى سيناريوهات عدّة، إما استقبال هذا الإدراك بالجنون والانطلاق نحوه دونما اكتراث، أو التروي وأخذ الحياة خطوة بخطوة بما يتحقق في إنجاز هذا الشخص، ليأخذ منحىً آخر تجاه بعض المواقف التي كان يُظنّ بأنه لن يعيد التفكير فيها.

متابعة قراءة “نهاية العالم… كيف سنغنّي الأفول الكبير؟”

مسلسل “فتيان”: سردية اليسار الصهيوني

عرضت شبكة HBO الأميركية مسلسل Our Boys القصير، أو بالعربية “فتيان”. المسلسل إنتاج مشترك بين الشبكة المعدة لمسلسل “تشرنوبل”، واستديوهات كيشيت. العمل من صناعة الإسرائيليين هاغاي ليفاي وجوزيف سيدار، والفلسطيني توفيق أبو وائل.
يبدأ المسلسل بالحديث عن قتل ثلاثة مستوطنين (إيال يفراح وغيلعاد شاعر نفتالي فرينكيل)، في شهر يونيو/ حزيران 2014، ولكنه يُكرِّس أقل من نصف حلقة لهم، لينتقل إلى الحديث بالتفصيل عن خطفِ وقتل الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير في عشر حلقات. في التعريف القصير المنشور للمسلسل ورد أنه “مبنيٌ على الأحداث الحقيقيّة التي أدّت إلى اندلاع الحرب في غزة 2014”. ولكن نجد أن التركيز على العلاقة بين الجريمتين ضعيف، ولا يظهر إلا بخبر تلفزيوني: “قصف حماس لمستوطنات غلاف غزّة كان ردًّا على الجريمة النكراء لخطف وضرب وحرق الطفل الفلسطينيّ”.

على خلاف باقي المسلسلات إسرائيلية الإنتاج، يحاول “فتيان” تقديم سَردية تختلف عن السائِد، إذ يفرد نصف حلقة عن قتل المستوطنين، وباقي العمل يُركِّز على أبو خضير، وأثر الجريمة على الصف الفلسطيني عامةً، وعائلته خاصةً، فصُورت الأم المكروبة قبل الجريمة وبعدها، وكيف انقلبت حياتها رأسًا على عقب. وصُوّر الأب والأخ وباقي العائلة عن قرب في حياتهم اليومية وكيف تلقوا الخبر وتعاملوا معه. كُل هذا كان بأداء لافت من الكادر التمثيلي، حيث أدّى المُمثل الفلسطيني جوني عربيد دور والد محمد، والمُمثلة رُبى بلال دور والدته.
التمثيل وحده لا يكفي، فكانت الكتابة للعمل من طرفين (فلسطيني وإسرائيلي)، وبالتالي كانت السردية المطروحة في العمل مُتحاربة، وهو ما نحى بكثير من الإسرائيليين لرفض العمل من بدايته، لأنه لم يتطرق إلى حالة عائلات المستوطنين الثلاثة كما فعل مع أبو خضير، وكيف صوَّر حالة الكرب التي ألمّت بأمه وأبيهِ، دافعة كل من يُشاهد للتضامن معهما، مع عدم التركيز على المستوطنين.

متابعة قراءة “مسلسل “فتيان”: سردية اليسار الصهيوني”

لماذا يجعلك التحدّث إلى نفسك بصيغة المُخَاطَب أكثر حكمة؟

كِتابة: ديفيد روبسون

ترجمة: أنس سمحان

يعود اقتباس «الحياة غير المُجرّبة، حياة لا تستحق أن نعيشها» لسقراط، ونعرف منه أيضًا أن الطريق لـ «معرفة الذات» هو الطريق الحقيقيّ نحو الحكمة، ولكن هل هناك طريقة صحيحة وأخرى خاطئة عند الحديث عن التأمل الذاتي Self-Reflection[1]؟

ما يحصل في عملية التأمل[2] البسيطة، هو تدوير لأفكارك وما يقلقك في رأسك،  وليس هذا ما يقصده سقراط، لأن التأمل سيقودك أكثر نحو العلوق في أفكارك والانجرار خلف عواطفك التي قد تحرفك عن الطريق الصحيح. أظهرت الدراسات مؤخرًا أن الأشخاص المداومين على عملية التأمل البسيطة[3]، يعانون كثيرًا في اتخاذ القرارات تحت الضغط، ومعرضون أكثر لخطر الإصابة بالاكتئاب.

تقترح علينا الأبحاث العلمية بديلًا آخر، يقوم على تبنّي أسلوبًا بلاغيًا قديمًا كان مفضلًا عند أمثال يوليوس قيصر، ويُعرف باسم (illeism)[4]، أو التحدث إلى الذات بضمير المخاطب . إذا كنت أفكر في حوارٍ خضّته مع صديق لي على سبيل المثال، فقد أبدأ التفكير بصمت في نفسي: «شعر ديفيد[5] بالانزعاج من…». المغزى، هو أن هذا التغيير البسيط في منظورك ناحية الأمور والآخرين قد يساعدك على إزالة الغمامة العاطفية من أمام عينيك، وسيسمح لك برؤية تحيزاتك الماضوية رؤية أوضح.

متابعة قراءة “لماذا يجعلك التحدّث إلى نفسك بصيغة المُخَاطَب أكثر حكمة؟”

مسلسل «رامي»… خيارات الاختفاء في الولايات المتحدة

بطريقة ساخرة، يسأل رامي الرجل في متوضأ المسجد في نيوجيرسي: “إن لم أغسل ما بين قدميّ، ألن يُتقبل مني؟ هل عليّ أن أكون ملتزمًا بالكامل لأُحسب مقبولًا؟”. في استعارة واضحة عن المشاكل التي تواجهه حِيال سؤال الهُويّة. يستعرض مسلسل “رامي”، الذي أطلقته شبكة Hulu عبر الإنترنت، حياة أبناء الجيل الأول من المهاجرين العرب في الولايات المُتحدة الأميركية، وذلك عبر شَخصية رامي حسن، التي وُلدت في بيئة تختلف عن بيئة الأهل، وبلغة ليست لغتهم، ولكنها الآن صارت منطقة في الوسط لهؤلاء الأبناء. 
رامي وأخته، وُلِدا بجنسية أميركية، ولكن بأصول مِصرية (الأب مصري والأم فلسطينية). يتحدث أفراد الأسرة في البيت العربية، وفي الخارج الإنكليزية، يدينون بدين الإسلام، ولكنهم أمام اختبار دائم لولائهم لما يؤمنون بهِ، وما يتوقع الآخر منهم أن يؤمنوا بهِ. يتناول المسلسل هذه الإشكالية تناولًا كوميديًا، من دون تدنيس أي من المعتقدات، وفي الوقت نفسه، تناولًا مخالفًا لكل توقعات المشاهدين، سواء في الغرب أو في الشّرق.

متابعة قراءة “مسلسل «رامي»… خيارات الاختفاء في الولايات المتحدة”

10 أفكار للتأقلم مع الوِحدة خِلال التماسف الاجتماعي

اعتمادًا على فِكرة الصديق صلاح سامح، فقد ارتأيت ترجمة Social Distancing على أنها فعل وضع مسافة قائمة على بقاء الاتصال بينك وبين الآخر، وبالتالي، تكون الترجمة (التماسف)، وليس التباعد، لأن الأخيرة تنطوي على «النفور والنأي».

قررت ترجمة وتحرير هذه المادة، لأشغل نفسي بنشاطٍ أحبه، وهو الكِتابة والترجمة، وفي الوقت نفسهِ، أن أساهم ولو مساهمة بسيطة في مواجهة الجائحة، لا أن أقعد باكيًا أو شاكيًا أو متعجلًا. أتمنى أن تساعدكم قراءة هذه المادة في التغلب على العزل المنزلي، وأن تهوّن عليكم ولو بنسبة قليلة.


نُصح الكثير من الناس مع تفشي فايروس كورونا (وفي بعض الأحيان طُلب منهم)، أن يفعّلوا التماسف الاجتماعي القائم على تجنب أي شكل تواصل اجتماعي غير ضروري، وأن يبقوا في منازلهم قدر المستطاع، وكان ذلك واحدًا من عدة إجراءات احترازية اقترحتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حول العالم. يُعد التماسف مهمًا وضروريًا لإبطاء مُعدل انتشار العدوى وذلك حتى تتمكّن المُستشفيات من استيعاب الحالات. هل يتحقق هذا الأمر بسهولة؟ قطعًا لا، خصوصًا لأولئك الذين يعيشون لوحدهم، فقد يؤثر ذلك على صحتهم النفسية والجسدية. في الفقرات التالية، بعض الأفكار المستخرجة من أبحاث ودراسات تساعدك لتشعر أنك متصل «اجتماعيًا»، وتخفف من شعورك بالوحدة في مثل هذه الأوقات العصيبة.

متابعة قراءة “10 أفكار للتأقلم مع الوِحدة خِلال التماسف الاجتماعي”

مسلسل «ذا بيغ بانغ ثيوري»… في مديح التفاهة

في عام 2007، بدأت قناة CBS بعرض مسلسل السيتكوم (كوميديا الموقف) The Big Bang Theory الفكاهي الأميركي والذي صار لاحقًا من أكثر مسلسلات السيتكوم مشاهدة ومتابعة على المستوى العالميّ. استمر المسلسل في العرض حتى الموسم الثاني عشر (الأخير)، والذي انتهي في عام 2019. تدور قصة المسلسل حول عالمَيّ فيزياء نظرية وتطبيقية يعيشان في شقة واحدة ويعملان في الجامعة نفسها، وعادة ما تلتقي هذه الشخصيات ببقية المجموعة (عالم فيزياء فلكي ومهندس) ليكملوا حياتهم التي اعتادوا عليها.

متابعة قراءة “مسلسل «ذا بيغ بانغ ثيوري»… في مديح التفاهة”

قصة قصيرة: طاولة لإثنين

طاولة لإثنين

مؤخرًا، لم أعد أرى من هذه المدينة إلّا ظلامها وصرت أحس بها تضغط على صدري كشبح جاثم لا يفكر بالنهوض. أقرب صورة تستحضرني حين أفكر أنني ما زلتُ فيها، هي صُورة بريطانيا في بداية الثورة الصناعية. مدينة يكسوها الضباب الأسود على مدار الساعة، فلا أفق ولا مهرب. كأن فوقها غمامة كبيرة غير مرئية تمنع وصول الضوء إليها.

الساعة الآن الثالثة إلّا ربع، ولدي موعد في استراحة الباقة التي تطل على البحر الساعة الخامسة، مع صديقي محمود والذي صرتُ أراه على وتيرة متصلة بعد حادثة فقدٍ معينة ألمّت بنا معًا. كأننا اتخذنا عهدًا على أن نبقى قريبين من بعضنا البعض. يتوّجب عليّ الخروج الآن من البيت لأن الطريق لوحدها إلى ذلك المكان تستغرق مني ساعة على أقل تقدير. أرتدي حقيبة الظهر، وأخرج من البيت.

فِي الماضي، وفي أثناء دراستي الجامعية كانت هذه الطريق هي مكاني الوحيد والحقيقي للقراءة، وأذكر بأن أغلب ما قرأت، كان في الطريق بين الجامعة والبيت. كنت أصحو من نومي في الساعة السادسة وعشر دقائق، وأكون أمام البيت في انتظار الحافلة في الساعة السادسة وعشرون دقيقة. أركب الحافلة… أضع سماعات الأذن، وأفتح الشنطة وأخرج منها الكتاب المرافق. قضيت أربع سنين على هذا المنوال، ولا أذكر يومًا بأني كنت واعٍ لما يحصل في الطريق أو ما هي محطاته. كانت الحافلة تتوقف من بيتنا إلى الجامعة أكثر من مائة مرة لتحمّل في طريقها الطُلّاب، ولا أذكر أي وقفة منها. كنتُ عندما أفتح الكتاب وأغوص في عالمهِ وأتوقف عن الوجود في هذا العالم. كنت كمن يدخل في حالة اسقاط نجميّ. أتذكر كل الكتب وكل عناوينها وكل عوالمها وتفاصيلها، وفي الوقت نفسهِ وعلى سبيل المفارقة، لا أعي أي شيء من تفاصيل هذا العالم. بدأت تلك الغمامة المظلمة بالتشكل حسبما أتذكر مع بداية القراءة، حينما بدأت أعي مكاني في هذا العالم (إن كان لي مكان أصلًا).

متابعة قراءة “قصة قصيرة: طاولة لإثنين”

صندوق رمل (قصة قصيرة)

قد يبدو اللا شيء تجربة جيدة لمن لا يدخلها ولا يعرفها، وقد تبدو تجربة مثيرة لأولئك الذين يعيشون بقلب طفلٍ ينتظرون تجارب الحياة الجميلة. أولئك كلهم ما زالوا يعيشون في المرحلة الأولى، أما أنا فقد قفزت حتى الهاوية. لم يكن قفزًا عن تلك التجارب، وإنما قفزٌ عن إعادتها. في كل تجربة هناك نفس المراحل. أنا أوفر على نفسي عناء التجربة، وأقفز للخاتمة. هل يبدو هذا فعل رجلٍ عاقل؟

لم تتغير الساعة على الحائط. توقفت قبل ثلاثةِ أعوامٍ على الساعة العاشرة، ولم أفكر يومًا بأن أغيّر لها بطاريتها أو أنظر ما بها. تعجبني الساعة العاشرة. على الأقل تبقى الساعة هي الشيء الوحيد الذي يعطيني ما أتوقعه كلما نظرت أو احتجت إليه. كم مضى على عدم خروجي من هذا المكان؟ لا أدري، رُبّما شهرٌ أو أقل أو ربما أكثر، لا أتذكر. لا أرى الشمس أبدًا. أتعفن في سريري كما أنا. أعرف النهار من عواء الكلب خارج المنزل على بائع الحليب الذي يأتي كل صباحٍ، وأعرف الليل من بومٍ يقف كل يوم عند نافذتي المغلقة محاولًا دخول البيت. أقف. أنظر للمرآة. أرى شبحًا. أرتعب قليلًا، كما في كل يومٍ قبل أن أتذكر بأن هذا الشبح هو شبحي، ثم أعود للنومِ مُجددًا. أو لأحتضن الأوراق المترامية هنا وهناك محاولًا كتابة شيءٍ ربما يحاز على إعجابي، ولا سبيل.

أعلمُ أن الوقت الآن صباحًا. سمعتُ الكلب يعوي خارجًا. اسأل نفسي، هل أنهض من السرير؟ هل هناك ما يستحق فعلًا؟ أقرر بأني سوف أخرج اليوم لأرى كيف صار العالم خارجًا. أو ربما لأزور البلدية التي أرسلت لي للمرة المليون على التوالي إشعار إخلاء لأجل فتح شارعٍ في مكانِ المنزل. أو ربّما لأذهب وأرمي بنفسي من فوق أي نهرٍ أو برجٍ وأنتهي. لكن انتحاري يعني انتصار البلدية، وأنا لا أريد ذلك. قد أكون أعلنت انسحابي من العالم. أما أن أنسحب وهناك معركة قائمة؟ هذا لستُ أنا. على الأقل بقي لدي بعضٌ مِنّي أريد المحافظة عليهِ. أو ربمّا نهاية أبقى في البيت ولا أتعب نفسي بأي تفكير خارج هذا الصندوق. لن تكون البلدية قادرة على هدم منزلٍ مرخّص أو ربما ليس مرخصًا، لم أثق بوالدي يومًا. عندما يأتي وقت الهدم، مؤكد سيبعثون بإشعار إخلاءٍ إجباري، أو تهديد. حينها فقط سأفكر فيما سأفعل. أما الآن فعلي الاستعداد لنومي وقت الظهيرة.

متابعة قراءة “صندوق رمل (قصة قصيرة)”

التاريخ المظلم لهيمنة الذكاء.. إبادة الأغبياء

طالما اُستخدم الذكاء كوسيلة لتبرير الهيمنة والدمار. لا عجب أننا نخاف من الروبوتات الذكية.

عندما كنت أعيش في إنكلترا في النصف الأخير من القرن العشرين، كان الذكاء موضوعًا جدليًا وكبيرًا. وعندما كان عمري 11 سنة، خرج عشرات الآلاف من الناس إلى المكاتب ليقدّموا اختبار الذكاء المعروف باسم 11 Plus.

وطبعًا كانت نتائج هذه الاختبارات ستحدّد مصير الطلاب. من منهم سيذهب إلى المدارس الثانوية ثم إلى الجامعة، ومن منهم سيذهب إلى المدارس المهنية ليتعلّم مهارة معينة ويقوّي نفسه فيها لتصير له صنعة، ومن منهم سيذهب إلى المدارس الثانوية الحديثة ويعبئ رأسه بالأساسيات والعموميات ثم ينتقل بعدها للعمل اليدوي ضعيف الدخل.

كان عمر “فكرة” أن الذكاء يمكن قياسه تمامًا مثل قياس ضغط الدم تقريبًا قرنا كاملا، عندما قرّرت أنا أن آخذ هذا الاختبار والذي منوط بهِ تقرير مصيري في هذا العالم. ولكن فكرة أن الذكاء يمكنه أن يحدّد مكان الشخص في الحياة، كان عمرها أكبر من ذلك بكثير. فالفكرة تجري مجرى الدم في الوريد لدى الحضارة الغربية، وذلك من فلسفة أفلاطون وصولًا إلى سياسات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. نحن حينما نقول إن فلان ذكي وفلان ليس ذكياً، فنحن لا نقوم فقط بالتعليق على مَلكَاتهم العقلية، وإنما نطلق أحكامًا عما هو مسموح لهم أن يفعلوه وما هو غير مسموح. فالذكاء في نهاية المطاف، أمر سياسي. متابعة قراءة “التاريخ المظلم لهيمنة الذكاء.. إبادة الأغبياء”

ذات الرداء الأحمر (مجموعة قصص ما قبل النوم الصائبة سياسيًا)

هذه القصة من مجموعة قصصية بعنوان: “قصص ما قبل النوم الصحيحة سياسيًا، والتي سأعمل على ترجمة قصة منه كل أسبوع. القصص للكاتب الأميركي  فين غارنر.

  • ليلى ذات الرداء الأحمر

كان يا ما كان، في قديم الزمان، فتاة تدعى ذات الرداء الأحمر، وكانت تعيش مع والدتها على طرف غابة ما. وذات نهار، طلبت منها أمها أن تذهب إلى جدتها لتعطيها سلة مليئة بالفواكه والمياه المعدنية، ليس لأن هذا عمل امرأة[1]، وإنما لأن الفعل كان سخيًا ويساعد في تكوين شعور بالمجتمع. وأيضًا، لم تكن جدتها مريضة، بل كانت في حالة صحية جسدية ونفسية سليمة، وكانت قادرة على الاهتمام بنفسها لوحدها دون أن تحتاج مساعدة أي أحد مثل أي بالغ آخر.

انطلقت ذات الرداء الأحمر إلى الغابة. بعض الناس كانوا يعتقدون أن الغابة مكان خطر ومحرم ولم يخطو أي خطوة فيها. ولكن ذات الرداء الأحمر كانت واثقة في جنسانيتها الناشئة ولم يرهبها التصوير الفرويدي.

وفي طريقها إلى بيت جدتها، دنا منها ذئب وسألها ماذا تحمل في السلة. فأجابت: “بعض المأكولات السريعة الصحية لجدتي، والتي تستطيع الاهتمام بنفسها لوحدها دون أن تحتاج مساعدة من أي أحد مثل أي بالغ آخر”.

قال الذئب: “أتعلمين يا صغيرتي؟ المكان ليس آمنًا في الغابة لفتاة صغيرة لتعبرها لوحدها”.

أجابته، “إن تعليقك العنصري (الذكوري) هذا مهينٌ إلى أبعد الحدود، ولكني سأتجاهله نظرًا لوضعك الحالي كمنبوذ من المجتمع، والضغط الموضوع عليك من هذا الأمر دفعك لتخلق منظورًا خاصًا بك تحكم من خلاله على الأخرين ولا يرى صحته أحدٌ غيرك. والآن إذا سمحت، سأكمل طريقي”. متابعة قراءة “ذات الرداء الأحمر (مجموعة قصص ما قبل النوم الصائبة سياسيًا)”

رصاصة في الدماغ (قصة قصيرة)

 

 

كتابة: توبياس وولف. كاتب قصة القصيرة أمريكي وكاتب مذكرات وروائي، وهو معروف بمذكراته حياة هذا الصبي (1989) وفي جيش فرعون (1994). وقد كتب مجموعتين قصصيتين قصيرتين، بما في ذلك (The Barracks Thief (1984، والتي فازت بجائزة PEN/Faulkner للأدب.

ترجمة: أنس سمحان

لم يكن باستطاعة أندرس الوصول للبنك إلا قبل إغلاقه بقليل، وبالطبع، كان الطابور طويلًا وعلق بين امرأتين مزعجتين ويتحدثن بصوتٍ عالٍ مما جعله في مزاج يدفعه للقتل. لم يكن أندرس أبدًا في مزاج جيدٍ على كل حال. أندرس ناقد كتبٍ معروف بشدته ووحشيته الأنيقة التي استخدمها ضد كل كتاب كتب عنه مراجعة ونقده.

ومع أن الطابور ما زال طويلًا إلا أن إحدى موظفات التيلرات وضعت يافطة “مغلق” ثم سارت إلى داخل البنك وانحنت على أحد المكاتب وجلست تضيع الوقت مع شخص يرتب الأوراق. المرأتان أمام أندرس توقفتا عن الحديث وحدقتا في المرأة التي تركت التيلر بحقد. قالت إحداهن: “أوه، هذا لطيف”. التفتت إلى أندرس وأضافت وهي واثقة من اتفاقه: “هذه واحدة من تلك اللمسات الإنسانية الصغيرة التي تمنعنا من العودة للمزيد.” متابعة قراءة “رصاصة في الدماغ (قصة قصيرة)”

المخيم الهندي (قصة قصيرة)

 

تأليف: إرنست همنغواي

ترجمة: أنس سمحان

كان هناك زورق آخر جاهز على شاطئ البحيرة، وكان هناك هنديان بالانتظار. جلس نيك ووالده على مؤخرة القارب، وقام أحد الهنود بدفع القارب إلى البحيرة بينما بدأ الآخر بالتجذيف. جلس العم جورج على مؤخرة قارب المخيم. دفع شاب هندي القارب ثم قفز ليجذّف مع العم جورج.

بدأ القاربان يسبحان في الظلام. سمع نيك صوت مجاذيف القارب الآخر وتناهى إلى ذهنه أنهم أمامهم في الضباب. جذف الهنود تجذيفات متقطعة وسريعة. استلقى نيك وذراع والده حوله.  كانت المياه باردة. والهندي الذي كان يجذف قاربهم، كان يجذّف بجد وبقوة إلا أن القارب الآخر كان يسبقهم طوال الطريق. متابعة قراءة “المخيم الهندي (قصة قصيرة)”

عن الأصول الاشتراكية لليوم العالمي للمرأة

 

ترجمة: أنس سمحان

استغلت كلارا زيتكين في عام 1894 صفحات المجلة النسائية الديمقراطية الاجتماعية «داي غليتشيت» (Equality)، والتي أسستها قبل ثلاث سنوات، لتوجه أصابع الاتهام ضد التيار الرئيس للحركة النسائية الألمانية، وكتبت: «إن الحركة النسوية البرجوازية وحركة النساء البروليتاريات حركتان اجتماعيتان مختلفتان جوهريًا».

وحسب زينتكن، فإن النسويات البرجوازيات ضغطن من أجل إيجاد إصلاحات من خلال صراع بين الجنسين وضد رجال طبقتهم دون التشكيك بوجود الرأسمالية نفسها، وعلى النقيض من ذلك فقد سعت النساء العاملات من خلال صراع الطبقة ضد الطبقة وحاربن معركة مشتركة مع رجال طبقتهن من أجل تجاوز الرأسمالية.

متابعة قراءة “عن الأصول الاشتراكية لليوم العالمي للمرأة”

مكان نظيف وجيد الإضاءة (قصة قصيرة)

تأليف: إرنست همنغواي

اختيار وترجمة: أنس سمحان

كان الوقت متأخرًا، وكل من في المقهى كانوا قد غادروه باستثناء رجل عجوزٍ يجلس في ظل أوراق شجرة ناتج عن ضوء كهربائي. تكون الشوارع في النهار مغبرة، لكن حينما يحل الليل، تُثبِّت قطرات الندى الغبار في الشارع، وكان الرجل العجوز يحب الجلوس لوقت متأخرٍ لأنه كان أصمًا ولأن الهدوء يشعره بأنه مختلف. عرفَ النادلان في داخل المقهى بأن العجوز مخمور قليلًا، وعلى الرغم من أنه زبون جيد، إلا أنهما يعرفان أيضًا بأنه حين يكون مخمورًا زيادة عن اللازم، يغادر دون أن يدفع، ولهذا أخذا بمراقبته عن كثب.

متابعة قراءة “مكان نظيف وجيد الإضاءة (قصة قصيرة)”

جورج أورويل: أربعة دوافع للكتابة

عرفتُ بأني أريد أن أصبح كاتبًا في سنٍ مبكرة جدًا. ربّما من عمر الخامسة أو السادسة. وفي الفترة بين عمر السابعة عشرة والرابعة والعشرين، حاولت أن أترك الإيمان بهذه الفكرة وأن أترك الكتابة، وفعلت ذلك بإيماني بأني أفعل ما هو ضد طبيعتي الحقيقية، وبأني سأستقر لاحقًا وأتراجع وأبدأ كتابة الكتب.
كنت الابن المتوسط لعائلتي من بين ثلاثة أطفال؛ ولكن كانت هناك فجوة عمرية بين أخويّ الأكبر مني والأصغر مني تقدّر بخمس سنين. وبالكاد أتذكّر رؤيتي لوجهِ والدي قبل عمر الثامنة. كل هذه الأشياء ساهمت في جعلي أنمو وحيدًا.
مع مرور الوقت، جعلت سلوكياتي، غير المقبولة، مني طفلًا مغمورًا وغير ملاحظٍ في المدرسة. تطورت لدي مع مرور الوقت العادة التي يمتلكها أي طفل وحيد، ألا وهي عادة اختلاق القصص وإجراء المحادثات مع الأصدقاء المُتخيّلين. أعتقد بأنه ومنذ البداية كانت طموحاتي الأدبية مضطربة وممتلئة بالشعور بالوحدة والعزلة وتقليل القيمة. علمت أيضًا أن لدي ملكة الكلمات والقوة الكافية لمواجهة الحقائق غير السارة، وشعرت بأن هذين الشيئين قد أعطياني القدرة على خلق عالمٍ خاصٍ بي. عالم أستطيع أن أنتقم فيه لنفسي على إخفاقاتي وفشلي في الحياة اليومية العادية.

متابعة قراءة “جورج أورويل: أربعة دوافع للكتابة”

موت الليبرالية

 

 

اختيار وترجمة: أنس سمحان

“تشير ليبرتارية[1] مجتمع التقنية بوادي السيليكون إلى تشكّل فاشية يسارية خطيرة في القرن الحادي والعشرين”

الليبرالية ميتة، مثل الأشكال التاريخية الأخرى الميتة، كالمسيحية أو السينما، وها هي الآن تتحرك مثل الزومبي في جميع الأنحاء وتستمر في تحديد حياة الناس وتسيطر على القوة المادية. ولكن مكانها في مزبلة التاريخ صار محجوزًا قطعيًا. فلا مستقبل لها، وصار الأمر الآن مرهونًا بالفترة التي ستقضيها وهي تغادر ببطيء من حياة سكان الكوكبِ إلى أن تصير بدون فائدة.

إن الليبرالية وشكلها الحكومي المفضل –الديمقراطية الليبرالية– تتجه نحو الانهيار لأن مفهوم الدولة القومية (وهو المفهوم الذي رسم الخطوط العريضة لليبرالية وأعطاها قوتها التاريخية للتشكل خلال الحروب والثورات الأوروبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) قد تحول من أداة ضرورية للتنمية الرأسمالية إلى عائق أمام النمو. فازت الرأسمالية بانتصار تاريخي في الحرب الباردة وانتشرت إلى أبعد مدى في العالم. لكنها فعلت ذلك في ظل أزمة طويلة من الربحية جعلت النظام العالمي يصعد على هياكل الديون واللوجستيات التفصيلية (ابتداء من سبعينات القرن الماضي). ويعتمد هذا النظام الهش على الوسائط اللحظية للانتقال العالمي والاختراق المستمر للأسواق العالمية وذلك لضمان استمرارية حركة الأموال وتداولها. ونتيجة لذلك، تصبح الحدود والدول القومية مُربحة أكثر في حال لو لم تكن موجودة. وهكذا بدأت الرأسمالية -ولتفادي زوالها- تأكل أطفالها المفضلين.

متابعة قراءة “موت الليبرالية”

الإيمان بالجهل: الساسة الذين يقتبسون من الدين، لا يعرفون عن الدين شيئًا

 

في عام 1802، أرسل كاتب اعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية توماس جيفرسون برسالة إلى معمدانية مدينة دانبري ليخبرهم فيهم أن التعديل الأول في وثيقة الحقوق يؤسس لـ “جدارٍ يفصل” بين الدولة والكنسية (الدين). وكما جاء في نص التعديل الأول: “ألّا يصدر الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته”.

متابعة قراءة “الإيمان بالجهل: الساسة الذين يقتبسون من الدين، لا يعرفون عن الدين شيئًا”

ليلة أمس (قصة قصيرة)

جايمس سالتر (1925-2015) روائي وكاتب قصص أميركي، كان يعمل طيارًا في القوات الجوّية الأميركية، لكنه استقال بعد نجاح روايته “الصيّادون” عام 1975.

_______________

كان والتر سوتش مترجمًا جيدًا. وكان يحب أن يكتب بقلمه الأخضر حيث اعتاد أن يرفعه في الهواء قليلًا بعد انتهائهِ من كتابة أي جملة، كما لو أن يده جهازًا كهربائيًّا. بإمكانه أن يتلو عليكَ بعض كتابات الشاعرة بلوك باللغة الروسية، ثم يعطيك ترجمة ريلكه الألمانية لتلك الكلمات وهو يشرح الجمال فيها. كان اجتماعيًا، ولكنه أحيانًا لا يُحتمل. كان يتلعثم في بداية حديثه ويعيش مع زوجته بطريقة أحبوها، ولكن زوجته ماريت، كانت مريضة.

كان والتر جالسًا مع صديقة العائلة سوزانا. وأخيرًا، سمعوا صوت ماريت على الدرج قادمة إلى الغرفة. كانت ترتدي فُستانًا حريريًا أحمر، ومغريًا، إذ يظهر ثدييها مرتاحين، وشعرَها أنيقًا داكنًا. في سلالها البيضاء وفي خزانتها يوجد الكثير من الملابس المطوية والملابس الداخلية والقطع الرياضية والفساتين الليلية والأحذية المرتمية بجانب الأرضية. العديد من الأشياء التي لن تحتاجها أبدًا. وأيضًا كانت هناك جواهر وأساور وقلائد وصندوقًا يحوي كل خواتمها. نظرت إلى الصندوق بعناية ثم اختارت بعض الخواتم، فهي لا تريد لأصابعها الهزيلة الآن أن تبدو عارية. متابعة قراءة “ليلة أمس (قصة قصيرة)”

كُتب عن الحِجاب

الأصدقاء الكرام بعد نشري لقصة البارحة على إنستغرام عن موضوع الحجاب، وصلتني أكثر من رسالة تطالبني بالمراجع عن عدم فرضية الحجاب في الإسلام. أولًا، أود أن أنوّه أن هناك العديد من المراجع على الإنترنت والكثير من الفقهاء والكثير من الباحثين الذين كتبوا في هذا المضمار قبلي، وأنا فعليًا لستُ كاتبًا فيه، وإنما مُجرّد قارئ عاديّ. القارئ العاديّ، الذي يقرأ من كل أنواع المراجع، المراجع المؤيدة للحجاب والمراجع المعارضة للحجاب، ومن ثم يوازن بين ما قرأه، ويرى من كانت لديه القدرة الأكبر على الإقناع وتناول الموضوع تناولًا عقلانيًا يحترم المنطق والعقل البشري دون أي تخويف أو ترهيب.

متابعة قراءة “كُتب عن الحِجاب”

نهاية القوميات: هل هناك بديل للدولة القومية؟

 

«تعد الدولة القومية أحد أهم أسباب مشاكلنا كبشر ابتداءً من الحرب الأهلية ووصولًا إلى التغير المناخي. ويشير العلم إلى وجود طرق أفضل للعيش على سطح الكوكب»

ترجمة وإعداد: أنس سمحان

اسمح لي أن أطلب منك ولو للحظة أن تتخيل العالم خاليًا من مفهوم الدولة. تخيل خريطة خالية من بقعٍ صغيرة وملونة وخالية من أي حدود ومن أي حكومات لها قوانينها الخاصة. حاول أن تصف أي نشاط تقوم به مجتمعاتنا من تجارة وسفر وعلوم ورياضية وحفاظ على السلام والأمن دون أن تذكر الدول. وحاول أن تصف نفسك الآن: لديك على الأقل جنسية واحدة والحق في تغييرها، ولكنك لا تملك الحق في أن تكون بلا جنسية.

تلك البقع الملونة على الخريطة على اختلافها والتي قد تكون دولًا ديموقراطية أو ديكتاتورية أو فوضوية تدّعي تقريبًا جميعها بأنها دولًا قومية لديها سيادة إقليمية لشعبٍ ما والذين يحق لهم تقرير المصير ضمن حالة ذاتية الحكم، وهذا حسب تعريف الأمم المتحدة والتي تقول إن عدد الدولة القومية قد وصل إلى 193 دولة.

وهناك تزايد في عدد الدول التي تحاول أن تسعى إلى وجود كيان قومي لها خاص بها، مثل الاستفتاء الذي أجراه الأسكتلنديون قبل فترة والجهاديون في الشرق الأوسط الذين أعلنوا قيام «دولة إسلامية». والكثير من الأخبار في حياتنا اليومية، من الصراعات في غزة ومرورًا بأوكرانيا ووصولًا إلى خلافات بشأن الهجرة وعضوية الاتحاد الأوروبي، كلها ترتبط بالدول القومية بطريقة أو بأخرى.

وحتى بعد عولمة اقتصادنا، لا تزال الدول القومية هي المؤسسة السياسية الرئيسة في كوكبنا. وأغلب الأصوات التي تذهب للأحزاب القومية في انتخابات الاتحاد الأوروبي تثبت بأن القومية ما زالت حية على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يحاول تجاوزها (نُشرت المقالة قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – المُترجم).

متابعة قراءة “نهاية القوميات: هل هناك بديل للدولة القومية؟”

فيسبوك: الخوف كمحرك للخوف

نُشر المقال لأول مرة على موقع جيل

بالنسبة لأجيال الثمانينات وأوائل التسعينات والتي واكبت الانترنت بشكلهِ البدائي ووصولًا إلى حالهِ اليوم. هذه الأجيال التي مرت بنظام التشغيل منعدم النوافر ومرورًا بالوندوز، وهي الأجيال ذاتها التي استعملت المنتديات وبرامج التشات الفـوري وبرنامج مايركوسوفت مسنجر؛ ويمكننا القول أيضًا بأنها الأجيال ذاتها التي استعملت أجهزة النوكيا التي كانت تحتل العالم في يومٍ من الأيام. ولو أردنا أن ننظر الآن إلى هؤلاء وأين هم، فسنجد أنهم قد توقفوا عن دخول موقع هوتميل أساسًا واتجهوا نحول الجميل، وانصرفوا عن المنتديات إلى الفيسبوك وعن نوكيا إلى سامسونج والأيفون. ماذا حصل؟

متابعة قراءة “فيسبوك: الخوف كمحرك للخوف”